عبد الله الجيزاني
تتداول وسائل الاعلام دعوات لقيادات وقوى سياسية وناشطين لتعديل الدستور وجعل النظام رئاسيا بدلاًعن البرلماني؛ الذي هو الاخر له من يؤيده ويدافع عنه بل ويصر عليه، ويوعز مشاكل البلد الحالية الى سوء الادارة وتطبيق الدستور وليس لنوع النظام.
كل جانب له مبرراته في دعواته وهي مبررات لاتخلو من الواقعية، فالنظام الرئاسي الذي يختصر القرار ويضعه بيد شخص واحد لايتقيد الا بالنصوص الدستورية، الامر الذي يخشى منه انصار النظام البرلماني على نشوء ديكتاتورية جديدة، مبرر
ذلك بتاريخ النظام الرئاسي الذي سار عليه العراق منذ عام 1958 اضافة لدول عربية اثمر هذا النظام عن ديكتاتوريات زادت حياة شعوبها فقرا وحرمانا،
واختصر الحكم على مكون او مجموعة
معينة، وقمع الحريات الشخصية والاعلامية ومنع
العمل السياسي الا على حزبه او مجموعته، على خلاف النظام البرلماني الذي اتاح المشاركة امام الجميع وساوى الفرص بين ابناء الشعب، اضافة للحرية التي اتاحها هذا النظام امام المواطن.
بين هذا وذاك هناك النظام المختلط لم يتنبه له او يدعو له احد الذي يعد حلا وسطا يمكن للعراق ان يتخذه، بموجب هذا النظام يقوم الشعب بانتخاب مباشر لرئيسي الجمهورية والوزراء ويتقاسمان الصلاحيات فيما بينهما، وهناك برلمان يتولى تشريع القوانين والمصادقة على الاتفاقات الاستراتيجية وسواها، ومن ثمّ هذه النظام سوف يسهل كثيرا من العقد التي اعترت العملية السياسية في العراق، ويقضي بشكل كامل على المحاصصة والتهرّب من المسؤولية تحت اعذار يوفرها النظام البرلماني للسلطة، خاصة ان هذا النظام ناجح لحد كبير في عدد من الدول كفرنسا، الذي تعتمد النظام المختلط وتحقق بموجبه نجاحات واضحة كديمقراطية عريقة في العالم.
ان العراق اليوم تتقاذفه الامواج ومهدد بوجوده وحفظ النظام المجتمعي فيه، مما يتطلب قرارات تمس بنية النظام ولها قدرة على ايصال رسائل ايجابية للشارع الناقم من الطبقة السياسية وادارة البلد منذ عام 2003 الى الان؛ بسبب نقص الخدمات وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي وانتشار الفساد ووصوله الى عمق جسد الدولة وتحوله الى مافيات خطيرة يصعب مكافحتها في ظل هذا التراخي وتعدد مصادر القرار وتشابك المصالح الحزبية التي تدير دفة الحكم.
القرارات التي تواصل الحكومة اصدارها لمعالجة مشاكل موروثة وتحولت الى عقد في حياة المواطن، مع اهميتها لكنها اقرب للترقيع من الحلول الحقيقية؛ فالاعلان عن التعيينات وغيرها لايمكنها الا ان تزيد من تعقيد الامور آنيا او مستقبلا، فلايمكن للدولة ان تعين الشعب بأجمعه في ظل بطالة مقنعة تعيشها دوائر الدولة، وافواج من الموظفين، وهذا بحد ذاته مشكلة استفزت المواطن الذي عجز من الحلول الترقيعية التي تمارسها الحكومات المتعاقبة مع كل موجة احتجاجات تحصل في الشارع.
ان الطبقة السياسية التي تحكم البلد؛ خاصة احزاب التأسيس معنية اليوم في التحرك الجدي لتصحيح المسار الذي اثبت فشله على مدى 16 عاما خلت، وعدم البقاء في خانة الحلول الحكومية التي لاتتجاوز صلاحيتها في الحكم، فالشعب اليوم يبحث عن حل شامل لايتم حساب كل المعطيات بدون قرارات شجاعة تستهدف بنية النظام والدستور الذي يستند اليه...