اتعظنا.. اتعظنا

آراء 2019/10/26
...

حمزة مصطفى
 
لا أريد تكرار ماقلته في مقال الأسبوع الماضي من أن التظاهرات تعم العالم من الصين في أقصى الشرق الى إسبانيا في أقصى الغرب. ولا أريد تكرار الأنموذجين السوداني واللبناني في التظاهرات. لكن ما أريد قوله إنّ كل هذه التظاهرات التي تجوب العالم بحثا عن حقوق مفقودة أومغتصبة إنماهي وسائل لتحقيق أهدافها بصرف النظر إن كانت مشروعة من وجهة نظر أصحابها وليست كذلك من وجهة نظر الطرف المقابل أو العكس. لاتوجد في العالم تظاهرات بوصفها هدفا بحد ذاتها الا في بلد واحد هو العراق. 
العراق الذي يقول شعبه إنه هو من علّم الناس الحضارة والكلمة الأولى والقانون الأول والعجلة الأولى بل والمطار الأول “مطار السومريين تتذكروه؟”. مع ذلك ومع كل هذا التراث والإرث وبابل وآشور وعشتار وأنكيدو وحموراني ونبوخذ نصر وأور وأوروك والجنائن المعلقة وكيش ولكش وبالك بالك وإذا بنا لانجيد التعامل فيما بيننا كأبناء شعب واحد على الطريقتين اللبنانية والسودانية كأقرب مثال لنا ومن طينتنا ومن أبناء جلدتنا. 
المفارقة أنّنا حاولنا تقليد الأنموذج اللبناني في التظاهرات الأخيرة بعد أن نكون كما يفترض أن اتعظنا من تظاهرات الأول من تشرين التي راح ضحيتها مئات الشهداء والآف الجرحى وهو ما لايقع مثيل له في حروب طاحنة بين دول لا تظاهرة نقول إنّها سلمية ومكفولة دستوريا. أقول حاولنا تقليد لبنان من خلال رفع العلم الوطني وتبادل الورود بين المتظاهرين سواء فيما بينهم أو مع من يحميهم من رجال الأمن والشرطة.
كلنا فرحنا حين شاهدنا المتظاهرين يتوافدون الى ساحة التحرير مساء وهم يحملون الورود والأعلام العراقية. فرحنا كوننا نريد أن نرى تظاهرة سلمية بالفعل طبقا للعنوان الذي تحمله، ولأننا نريد للفضائيات خصوصا “المغرضة” أن تنقل صورة أخرى عنها نغيظها بها ونلعن والديها وسنسفيل والد والديها حين يظهر أبناء شعبنا وهم يلوحون بالأعلام ويتبادلون الورود فيما بينهم أو مع رجال الشرطة وقوات حفظ النظام. لكن مع سقوط أول شهيد وبضعة مصابين بالغازات أو بالحجارة ومن ثم بدء المرحلة الثانية من سلمية التظاهرة بحرق مقار بعض الأحزاب أو مباني بعض المحافظات ومقارها ومنازل بعض النواب والمسؤولين حتى بات واضحا أن التظاهرات أختطفت وهي المرحلة الأخطر التي هي كفيلة بإخراج أي تظاهرة عن الهدف الذي قامت من أجله. سقوط شهيد واحد لا أكثر من 100 شهيد مثلما حصل في تظاهرات الأول من تشرين يعني أن التظاهرة انتقلت من وسيلة لتحقيق هدف مشروع الى هدف بحد ذاتها. إن هذا يعني فشل من خطط لسلمية التظاهرة ونجح من وقف خلف الباب مستفزا ومشككا. وهذا يعني أن المتظاهر السلمي صاحب الحق المشروع بات يدفع ثمن أجندات من يجلس خلف الكيبورد في مكان ما من العالم دافعا الأوضاع الى نهاياتها المعروفة القتل والحرق وتصفية الحسابات باسم الحقوق المشروعة.