سلام مكي
التظاهر، حق طبيعي نصَّ عليه الدستور والقوانين، وهو مظهر أصيل من مظاهر الديمقراطية، وهو تعبير عن رغبة الشارع في إيصال رسالة إلى السلطة او الحكومة، أو مطالبة تلك السلطة بمجموعة من المطاليب التي لا يمكن حثّ الحكومة عليها إلّا من خلال التظاهر.
وهذا الحق، مثله مثل غيره من الحقوق السياسية والاجتماعية، لا يمكن ممارسته إلّا من خلال الالتزام بمبدأ أساس وهو الحفاظ على حقوق الآخرين وحقوق الدولة، أي عدم التعدي على حقوق الآخرين أثناء ممارسة حق التظاهر، ذلك أنّ جميع الحقوق هي مصانة ومحترمة لدى القانون، وأي تجاوز عليها مهما كان المبرر، فهو يعد جرما يحاسب عليه القانون. ما شهدته تظاهرات يوم 25 / 10 من أحداث مؤسفة، تم توثيق بعضها من خلال الصور ومقاطع الفيديو التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، أمر يدعو الى الأسف، فممارسات القتل التي مورست من قبل جهات بعضها مجهول وبعضها معلوم، فضلا عن ممارسات غير قانونية من قبل أشخاص محسوبين على المتظاهرين، هو أمر مخالف للقانون مهما كانت دوافعه، ومهما ارتكب الأشخاص المستهدفون من تلك الأفعال. فالمقار الحزبيّة التي أحرقت، أماكن فرض القانون لها حماية، سواء كانت مشكلة بموجب أحكام القانون، أم لم تشكل، فهي تعد بمثابة ممتلكات خاصة، ومن فيها مواطنون، أرواحهم محميّة من قبل القانون، ولا يجوز التعدي عليها، بالحرق أو غيره.
ولو كانت تلك الأحزاب مشتركة بممارسات الفساد أو القتل أو غيره، فهناك طرق قانونية يمكن محاسبتها من خلالها، هناك قضاء تحقيق وقوات أمنية، يمكن من خلالها انتزاع الحقوق التي يطالب بها الشعب، أما اللجوء الى حرق تلك المقار، وحرق من فيها من مواطنين هو أمرٌ مخالفٌ للقانون جملة وتفصيلا. وقد ساعدت صور القتل التي تبث بشكل مباشر ومنظر الجثث المحترقة وحالات الدهس من قبل سيارات تابعة للقوات الأمنية، ساعدت على إعطاء صورة مختلفة عن التظاهرات، ساعدت الى تشويه الفكرة التي خرج من أجلها المتظاهرون، ساعدت على تحويل الضحية الى جلاد.
إنّ عقاب الأحزاب والكتل التي لم تخدم المواطن، أو الفاسدة، هو عدم انتخابها، عدم السماح لها بالمشاركة في الحكم، وهذا العقاب يكون عبر صناديق الاقتراع وليس عبر الحرق والقتل. المتظاهرون من جهة، كانوا ضحية لبعض الجهات والأفراد المحسوبين على القوات الأمنية، فعلى الرغم من ظهور العديد من الضباط الكبار الذين يدعون الى التعامل بالحسنى مع المتظاهرين، في الساعات الأول للتظاهرات، رأينا بعض حالات القتل ضد متظاهرين عزّل، لا يحملون سوى حجارة. ان حق التظاهر السلمي، ليس سهلا ولا يعني ان بقاء التظاهرات سلمية أنّها لن تحقق اهدافها، أبدا، فهناك تظاهرات سلميّة، لم تُرَقْ فيها قطرة دم واحدة أدت الى تغيير أنظمة كاملة، تلك الأنظمة التي جاءت عبر الانتخابات، وثم تبيّن أنّها غير جديرة بتمثيل الشعب، فقرر ذلك الشعب تغييرها قبل الأوان. وهذا ما يمكن أن يحدث مع مجالس المحافظات مثلا، فبدل إحراق الأثاث والبنايات، يمكن عدم انتخاب الوجوه نفسها، أو عدم المشاركة في الانتخابات أصلا، وتبقى البنايات التي شيّدت من أموال الشعب سالمة دون حرق. الحل الآن بيد مجلس النواب، فهو من يملك صلاحية التعامل مع الوضع الحالي، من خلال تطبيق نصوص الدستور والقانون.