التفاعل في أزمة التظاهر

آراء 2019/10/27
...

د. سعد العبيدي
 

في أوقات الأزمات، يمتحن المواطنون أو بالحقيقة تمتحن وطنيتهم، وبالوقت ذاته تمتحن الأحزاب التي ينتمي اليها المواطنون، أي تدقق صدقيتها وجهودها في تجاوز الأزمة واستعداداتها للتعاطي معها من زاوية الوطن. كذلك تمتحن الحكومة، بقدراتها على الحسم والمناورة في تقنيات الانسحاب خطوات الى الوراء عند الحاجة أو التقدم خطوات الى الامام عندما تقتضي الحاجة، وامكانياتها في إظهار وجه الابوة تارة وتبيان وجه الأخ القاسي تارة أخرى. والتظاهرات التي بدأها الشباب يوم ٢٥ تشرين الأول الحالي هي أزمة أطرافها الجمهور خصوصا الشباب الذي يشعر بالحرمان، والأحزاب السياسية التي تنظم العملية السياسية وتسهم في إدارة الدولة وتنظيم العلاقات مع الجمهور، والحكومة المعنية بتنظيم العملية السياسية وإدارة الدولة والجمهور. 
إنّها أطراف موجودة ضمن دائرة علاقات تصارعية تتفاعل آراؤها واجراءاتها وافكارها وأساليبها في الإدارة والتنظيم، لتكوين ناتج يحقق أمن البلاد واستقراره. وهي معادلة في أزمة التظاهر الحالي لم نلمس تفاعلها إيجابيا، إذ أن الأحزاب والقوى السياسية الفاعلة وجدت نفسها محرجة فتنحت جانباً وتركت الجمهور في موقف عداء لها، فهاجمها ووضعها طرفاً مقابلاً ومن ثمّ أخرجها من دائرة التفاعل مؤقتاً على أقل تقدير، وظل هو في الساحة بموقف الحيرة، سالكاً عدة اتجاهات بعضها يتنافى ومصلحة الوطن، والحكومة الطرف الآخر كانت بعض مفاصلها في الاجمال بطيئة الاستجابة، مقيدة الحركة، الجمهور المتظاهر يسبقها بمراحل، على هذا أصبح التفاعل بين الأطراف الثلاثة ناقصاً أو مضطرباً خسر فيه العراق من جرفه الكثير. 
إنّها أزمة وان أشرت خطاً واضحاً في التفاعل بين أطرافها الرئيسة الثلاثة، لكنها لم تصل الى طريق مسدود، إذ أن هناك أبواباً مفتوحة لإعادة التوازن وتعديل المواقف لتكون متجانسة في تفاعلها، تبدأ من الأحزاب السياسية التي يجب أن تتحمل المسؤولية وتتنازل عن كبريائها في التعامل مع الجمهور، وتخلي مواقعها المأخوذة من أملاك الدولة، وتعيد مناهجها ونظمها الداخلية لتقترب في المحصلة من الهدف الرئيس هو العراق. وعلى الحكومة من جانبها الخروج من قيد الأحزاب وزيادة سرعتها في الاستجابة لمطالب الجمهور والمبادرة الفورية في السعي لتغيير بعض فقرات الدستور وتناسي تقديم الوعود اسلوباً في التهدئة. أما الجمهور صاحب المصلحة فعليه تغيير أساليبه في المواجهة، وترك العنف وتجنّب التخريب، وتشخيص المندسين وتقديمهم الى الأجهزة المعنية في الحكومة وطرح المطالب القابلة للتحقيق، التي تضع إعادة بناء العراق وطناً آمنا لجميع العراقيين هدفاً أسمى، واستخدام تقنية الضغط والتوقف عنه ثم معاودته، لإعطاء فرص الى الحكومة في أن تعيد ترتيب أوراقها وتقديم ما يمكن تقديمه. 
إنّ أزمة التظاهر الحالية أزمة معقدة، جميع الأطراف مسؤولة عنها، وجميعها تتحمّل معنية بالخروج منها بأقل الخسائر الممكنة، وعليها أن تفعل، وان لا تتأخر، وبعكسه ستدفع البلاد ثمناً، لا يمكن تعويضه لعشرات مقبلة من السنين.