مسؤوليَّة الحق الوطني في الاحتجاجات

آراء 2019/10/28
...

علي حسن الفوّاز
 
ليس صعبا رصد التظاهرات الاحتجاجية، ذات الطابع الاجتماعي، وهي تكشف عن هوية جديدة لجيل هذه التظاهرات، ولطبيعة الشعارات التي يرفعونها، وحتى لطبيعة الخطاب الذي تتبدّى مؤشراته عن وعي جديد لهم، وعن أفق هو أكثر تمثيلا لأسئلة صعبة تتعلق بالتغيير، أو بالمطالبة بحقوق معيشية ومدنية..
جيل التظاهرة العراقية أكثر وعيا بخطورة مايجري، وبضرورة أن تتحول تظاهراته السلمية الى فعّالية نقدية تعكس الفشل السياسي، ومظاهر الفساد، ورثاثة البنية الوظيفية التي تعطّلت فيها برامج ومشاريع الدولة العراقية، مثلما ضعفت في سياقها التنميات الوطنية التي ينبغي أن تنهض بأعباء التحول الاجتماعي والسياسي والاقتصادي..
إنّ جمهور هذا الجيل التظاهري يحمل معه مسؤولية التعريف بمشروعية هذه التظاهرات، وبجديتها في التعبير عن الوعي الوطني، وعن الوعي بمسؤولية التغيير في بنية مؤسسات الدولة، وبعيدا عن العنف، وعن التجاوز على الجهات الامنية، وعلى المال العام، إذ تكتسب التظاهرات أهميتها وحيويتها من خلال سلميتها، ومن خلال المطالب المشروعة التي يطمحون لتحقيقها، فهي مطالب حقيقية من جانب، ولها دور في تحفيز البنيات المؤسسية المترهلة في الدولة العراقية من جانب آخر، فضلا عن كونها مجالا وطنيا للتعبير عن فكرة الانتماء والتواصل، وعلى استيلاد قوة اجتماعية جديدة، هي اضافة مهمة للقوى الوطنية التي واجهت الاستبداد، ودافعت عن العراق ضد العنف والارهاب الداعشي.. 
 
التظاهرات ومشروعية 
الحق الوطني
الصبغة الوطنية للتظاهرات هي الرهان الحقيقي، مثلما أن حيويتها النقدية ستكون مصدرا لتعزيز جوهر تلك الوطنية، وعبر التأكيد على السلم الاهلي، وعلى عدم التجاوز على تلك التظاهرات، وعلى توصيفها الدستوري، وبما يقطع الطريق على من يريد حرف هذه التظاهرات عن مسارها الوطني والنقدي والاجتماعي..
زخم التفاعل مع التظاهرات تبدى عبر الكشف عن مشكلات حقيقية وواقعية في بنية الدولة، وأن أهميتها دفعت الحكومة لاتخاذ عدد من الاجراءات السريعة، وعبر معالجات آنية، أو عبر اجراءات تحتاج الى تشريعات قانونية من مجلس النواب، وهو ما يدعو الى أهمية ربط هذا التفاعل بالتواصل، وبالحرص على حماية المتظاهرين من خلال تحقيق مطالبهم المشروعة، وضمن سقوف زمنية محددة، فضلا عما كشفته هذه التظاهرات عن خلل بنيوي في كثير من مفاصل الدولة، لاسيما الاقتصادية والسياسية، والتي تكرّست اعطابها ومظاهرها عبر التهميش، والفساد والترهّل، وضعف الاجراءات القانونية في مكافحة الفساد، وفي معالجة مشكلات البنية الاقتصادية الريعية، والعشوائيات التي أضعفت واقع العمل والاقتصاد والتعليم والخدمات الاخرى، مثلما كشفت عن سوء التخطيط في عديد المؤسسات، ومنها مؤسسات التعليم التي يتخرّج منها الالاف من الطلاب، وفي اختصاصات علمية وانسانية، دون ان يجدوا فرصا لهم، وهو مايعني وجود العشوائية في التخطيط لانشاء جامعات اهلية، أو تخصصات في جامعات رسمية بعيدا عن التخطيط المنهجي، الذي كان ينبغي أن يضع حاجات المؤسسات الحكومية، والاهلية على وفق ما يتناسب مع طبيعة المقاعد الدراسية وتخصصاتها.. الحديث عن الحق الوطني يرتبط بالحديث عن مثل هذه الاستحقاقات، فضلا عن ضرورة وجود الاطر العملياتية التي تكفل هذا الحق، على مستوى  برامج الخدمة، وعلى مستوى التوصيف الحقوقي للمواطنة، ولحمايتها، وعلى مستوى منهجة التواصل مع شرائح المجتمع الأكثر حراجة، لاسيما الشباب، والذين يحتاجون الى مؤسسات ترعاهم، والى فرص عمل حقيقية لهم، واحسب أن جيل التظاهرات التي شهدتها عدد من المدن العراقية كانوا من أولئك الشباب، الباحثين عن فضاء للامن المجتمعي، ولفرص العمل التي تناسب حياتهم، وتحميهم من غوائل الاغتراب والبطالة والضياع، أو اللجوء الى الاعمال الهامشية..
 
التظاهرات والمسؤولية
اتساع التظاهرات في المدن، يُلقي الضوء على مسؤوليات الشباب في ادارتها، وفي الحفاظ على سلميتها، لأن ماحدث في بعض الاماكن من قيام البعض بحرق للمؤسسات وللبيوت، ومن قتل لشخصيات تمثل جهات معينة، قد يذهب بالتظاهرات الى توصيف آخر، والى اجراءات قد تتخذها الجهات الامنية لمواجهة هذا التصعيد. من هنا ندرك أهمية التواصل مع جمهور التظاهرات، والتعامل مع التظاهرة بوصفها حقاً مكفولا بالدستور، لكن ذلك يتطلب وعيا حقيقيا بالمسؤولية، على مستوى الاستمرار بالحافظ على سلميتها، أو على مستوى المطالبة المشروعة بالحقوق، والتي بات طرحها رهانا على المتظاهرين، وعلى  الجهات الرسمية، وأحسب 
أن تفاعل المسؤوليات بين الجهتين هو مايعزز فعل التظاهر السلمي من جانب، وجدية أن تقوم المؤسسات الرسمية الحكومية والبرلمانية والقضائية بالنظر الى كلّ المشكلات التي دعت الشباب الى التظاهر من جانب آخر، وبالاتجاه  الذي تتكرّس فيه قيم الديمقراطية، وسياقات عمل معالجة المشكلات العامة، وضمن آليات فاعلة، وسقوف زمنية محددة، وأن تتحول اجراءات تلك المعالجة الى تقاليد، وعبر تأطيرات قانونية، وليست رهينة بالتظاهرات أو غيرها، لاسيما أنّ هناك كثيرا من مشاريع القوانين المهمة لم تُقر بعد، أو أنّ قراءتها لم تكتمل، وأن الخلاف السياسي بين الفرقاء هو ما يعطل القراءة والاقرار، وهذا ما يجعل عديد المشكلات تتراكم دون حل، بما فيها المشكلات التي تخصّ حقوق الناس، وحياتهم ومصالحهم وفرص عملهم، فضلا عن ضعف الرقابة على عمل بعض المؤسسات المحسوبة على هذه الجهة السياسية أو تلك، والتي يعني تركها مزيدا من الاهمال والفساد والفشل، وتكريس مظاهر المحاصصة والحزبوية والمصالح الخاصة التي تُزيد من اعباء الناس ومشاكلهم 
وهمومهم...