المحكمة الاتحاديَّة وتفكيكُ المحاصصة

آراء 2019/11/01
...

سلام مكي
 
يتفق كثيرون على أنَّ المحاصصة الطائفيَّة والحزبيَّة، وتغييب المعايير القانونيَّة الخاصة باختيار مسؤولي السلطة التنفيذيَّة، أهم أسباب المشكلات والأزمات التي يعاني منها البلد، منذ التغيير وحتى الآن. فأي منصب سواء على رأس الوزارة، أو الإدارة، لا بدَّ أنْ يخرج من رحم التوافق الحزبي والمحاصصة بين الكتل السياسيَّة، بغض النظر عن مدى كفاءته ونزاهته وقدرته على إدارة المسؤولية التي تقع على عاتقه. وهذا التقاسم، شمل أعلى رأس السلطة نزولاً الى الدرجات العليا والدنيا في مؤسسات الدولة. ونتيجة لهذا الأمر، أنتجت العمليَّة السياسيَّة أجيالاً من المسؤولين الذين لم يستطيعوا تحقيق تطلعات الناس، وبالتالي كان الفساد والتأخر هما السمة الغالبة على مجمل مفاصل الدولة العراقيَّة.
إنَّ تقاسم المناصب أمرٌ عرفيٌّ، لا يوجد نص في قانون أو تعليمات تشير الى أنَّ هذه الوزارة من حصة هذا الحزب أو ذاك، وإنما هي إجراءات وخيارات عرفيَّة خاضعة للمزاج السياسي والشخصي لرؤساء الكتل والأحزاب، وهي متغيرة بتغير الظروف السياسيَّة. ولكنْ في العام 2008 وبعد وجود رغبة في تقنين عملية تقاسم السلطة بين الكتل آنذاك، تم إصدار قرار رقم 44 لسنة 2008 وهو قرار الإصلاح السياسي للفترة القادمة، والمفارقة، أنه سمي بقرار الإصلاح السياسي رغم أنه يؤدي الى خراب السياسة لا إصلاحها، بسبب إضفاء مشروعيَّة قانونيَّة على تقاسم الكتل السياسيَّة المناصب الحكوميَّة بعيداً عن الأطر القانونيَّة. هذا القرار أسَّسَ لفكرة أنَّ المناصب المهمة في الدولة، هي استحقاقٌ حزبيٌّ، وليس وطنياً، وأنَّ تلك المناصب هي استحقاقٌ لأعضاء تلك الأحزاب وليست استحقاقاً لجميع المواطنين الذين يملكون مؤهلات كافية لشغل تلك المناصب. ورغم مرور أكثر من عشر سنوات على إقرار ذلك القرار، إلا أنه بقي سارياً من دون أنْ يبادر أحدٌ إلى الطعن به، فهذا القرار رغم أنّ الكتل السياسية تتقاسم في ما بينها المناصب استناداً لاتفاقات خاصة في ما بينها وليس استناداً لهذا القرار، لكنْ مجرد وجوده هو منح المحاصصة الحزبيَّة والطائفيَّة نوعاً من المشروعيَّة.
وبعد تصاعد الاحتجاجات واستمرارها في معظم المحافظات والمدن، كان من ضمن أهداف تلك الاحتجاجات، هو رفض النصوص التي تكرس الطائفيَّة والحزبيَّة، ومن تلك النصوص هو قرار الإصلاح السياسي. فقد قام أحد المواطنين بسلوك طريق قانوني سليم وهو اللجوء الى المحكمة الاتحادية للطعن بالمادة 6 من قرار الاصلاح السياسي التي تنص على تنفيذ المتفق عليه من مطاليب الكتل والقوائم السياسية وفق استحقاقها في أجهزة الدولة لمناصب وكلاء الوزارات ورؤساء الهيئات والدرجات الخاصة. ونتيجة لهذا الطعن، أصدرت المحكمة الاتحادية قرارها المرقم 89/ 2019 في 28/ 10/ 2019 المتضمن الحكم بمخالفة المادة المطعون بها في الدستور، كون ان اختيار الدرجات الخاصة ليس من اختصاص الكتل السياسيَّة وإنما من اختصاص الجهات التي نص عليها الدستور، كما أنَّ النص المطعون فيه خالف مبدأ تكافؤ الفرص للعراقيين، إذ حصر التقديم على تلك المناصب بفئات معينة وهي التابعة للأحزاب، ولا يمكن لباقي الأشخاص التقديم عليها.
إنَّ قيام المحكمة الاتحادية بإصدار هكذا قرار مهم، يأتي ضمن الحملة التي تطلقها السلطة القضائية للوقوف الى جانب المتظاهرين والتضامن معهم في تنفيذ مطاليبهم، لكن: لماذا تأخر المدعي في دعواه كل هذه المدة؟ كان من الممكن الطعن بهذا النص قبل هذا الوقت بكثير، عندها كان يمكن إسقاط شرعية كل الاتفاقات التي جرت بين الكتل السياسيَّة والتي خالفت بموجبها الدستور.