نهاية أبشع إرهابي

آراء 2019/11/02
...

صادق كاظم
بسقوط الإرهابي أبو بكر البغدادي صريعاً بنيران الطائرات الاميركية في إدلب السورية يكون الستار قد أسدل على شخصية إجرامية بشعة اخرى من ضمن قائمة الشخصيات التي ظهرت الى العلن ضمن تواريخ واحداث زمنية متفرّقة كانت للاسف مليئة بصور من العمليات الاجراميّة التي لم تعرف لها المنطقة مثيلا من قبل. 
ارتبط البغدادي بظهوره مع صعود تنظيم داعش الارهابي كقوة ارهابيّة خطيرة استغلت احداث ما يعرف بالثورة السورية لتقوم ببسط سيطرتها على مساحات واسعة من سوريا وتركّز وجودها بالذات في مناطق حقول النفط والغاز الغنية لاسباب اقتصادية قبل ان تنقل نشاطها الدامي لاحقا الى العراق وخصوصا بعد احداث حزيران من العام
2014. 
ارتكب التنظيم تحت زعامة البغدادي العديد من جرائم التطهير والابادة العرقية التي طالت العديد من المكوّنات في كلٍّ من العراق وسوريا وكان اكثرها إيلاماً ما حدث للمكوّن الايزيدي الذي صفي بالكامل وفي معاقله التاريخية في الموصل، حيث الوجود الذي يمتد لالاف السنين، اذ اغتصبت واستعبدت آلاف النساء وقتل الرجال والاطفال ممن وقعوا في قبضة مقاتلي عصابات داعش الارهابية وقتها، ويمكن القول ان اكثر من ربع مليون شخص قتلوا على اكثر التقادير نتيجة لاعمال القتل التي حدثت في مناطق سيطرة التنظيم من مختلف المكونات الاسلامية وغيرها وبتهم الردّة والمخالفة والكفر. كان ظهور البغدادي استنساخا لظهور نماذج اجرامية متعاقبة كانت تظهر مباشرة بعد كل عملية قتل لزعامات ارهابية يتم القضاء عليها وهي ضمن منظومات تعيد انتاج ثقافة العنف والتوحّش والابادة واعمال الذبح والاغتصاب والاسترقاق كمنهج سلوكي تديم من خلالها حضورها المهيمن في المناطق التي تقع في قبضتها.
مصرع البغدادي جاء بطريقة مماثلة لمصرع ابن لادن والزرقاوي، إذ تعمّد هؤلاء جميعا بعد ضعف تنظيماتهم وهزيمتها الى الاختباء في اماكن نائية ومعزولة مع الحرص على عدم الظهور اعلاميا ليتم العثور عليهم لاحقا وتصفيتهم وهو ما حصل للبغدادي وغيره، حيث العيش تحت اوهام امجاد الخلافة المزعومة التي قتلوا وسلبوا ونهبوا تحت لافتاتها وحاولوا الترويج لافكار ظلامية قروسطية لم تعد ملائمة لواقع الحياة في عصرنا الحالي الذي يعيش ذروة التقدم والعلم والتكنولوجيا.
ظهور التنظيمات المتطرفة بصور زعاماتها الاجرامية من القتلة والمرضى النفسيين المهووسين بأعمال الخراب والتدمير يطرح سؤالا ملحا ومهما لماذا انتعشت هذه التنظيمات الارهابية المتطرفة وتوالدت لتخرج هذا العدد من القتلة والمجرمين والانتحاريين الذين كان من المفروض ان يكونوا اشخاصا أسوياء يعيشون بشكل طبيعي ويعتنقون الافكار المعتدلة والمسالمة كاي شخص آخر، والواضح ان الجهل والتخلّف والتفسير الخاطئ للنصوص الدينية والعقلية المتزمتة المنغلقة على الاخر والتي تعيش بشكل منفصل عن الواقع مع وجود الدعم الاقليمي والدولي لهذه الافكار المتطرّفة والاهتمام بتقويتها ورفع امكانيتها هو من أسهم في بروز هذا الفكر الاقصائي المتطرّف واذرعه المسلحة التي انتقلت وبسرعة كبيرة نتيجة للاحداث التي عصفت بالمنطقة من مرحلة التبليغ الى مرحلة التمكين والظهور وهي في الاساس افكار دخيلة على المنظومة الثقافية الاسلامية المزدحمة بالكثير من صور التعايش والتآخي والانفتاح بين جميع الفرق والمذاهب الاسلامية وغير 
الاسلامية.
البغدادي ومنذ توليه زعامة التنظيم في أوج قوته وصعوده في كل من سوريا والعراق وسيطرته على مساحات من الاراضي كانت تعادل مساحة بريطانيا قبل ان يندحر وينكفئ على يد ابطال القوات العراقية الامنية الباسلة والحشد الشعبي فwي العراق والتحالف الدولي والقوات السورية والروسية ضمن الاراضي السورية ظلّ حريصا على الاختباء، ظنا منه بأنّ هذا الاختباء سينجيه من الموت وعدم تلقيه الجزاء على أعماله الإجرامية ومشاهد الذبح والتوحّش التي أمر بتنفيذها خلال فترة زعامته التي كانت تضيف الى رصيده المزيد من الجرائم التي ظلت تلاحقه حتى أنهت وجوده ووجود تنظيمه الذي تحول من جيوش باعداد كبيرة الى فلول وشراذم تختبئ في الجحور والكهوف في أعماق الصحارى والوديان.
لقد كان لجهاز الاستخبارات الوطنية العراقي بمختلف اقسامه وفروعه الدور الفاعل في تصفية البغدادي وقتله من خلال المعلومات الثمينة التي قدمتها الى قوات التحالف الدولي ومساعدتها في تحديد مكان اختبائه ومن ثمّ الإجهاز عليه وهو دور يظل محسوبا لاجهزتنا الامنية الباسلة التي كانت تواصل جهودها الاستخبارية لملاحقة قيادات ورؤوس عصابات داعش وتصفيتها بعد تثبيت اماكن تجمعاتها وخصوصا قيادات الصفين الاول والثاني بالتنظيم
 الارهابي.
الفكر الارهابي الاجرامي المتطرّف والذي كان البغدادي احد رموزه سيظل يشكل تهديدا لبلدان المنطقة وشعوبها ما لم تتضافر كل جهودها وامكانياتها لمحاربته سواء من خلال التعاون الاستخباري وتنفيذ العمليات الامنية المشتركة، فضلا عن ادامة الاستقرار في المناطق التي كانت سابقا محتلة من قبل التنظيم الارهابي وتنميتها وتطويرها وحل مشاكل سكانها وعدم اهمالها، فضلا عن نشر قيم التسامح والسلم الاهلي بين مختلف مكونات الشعوب والدول وبمختلف الوسائل والامكانيات اعلاميا وثقافيا وتنظيم المؤتمرات والفعاليات المعززة لذلك لطي صفحة مريرة من تنظيمات ارهابية تصر على ادمان العنف والاجرام
 والتوحّش.