الحكومة البولندية تستغل الإعلام الرسمي

بانوراما 2019/11/03
...

مارك سانتورا وجوانا برندت ترجمة: خالد قاسم
 
بعد القاء ناشطة التغير المناخي غريتا ثونبيرغ خطابا أمام الأمم المتحدة لتحث قادة العالم على اتخاذ اجراءات، قال مقدمو التلفزيون الرسمي البولندي أن المشاهدين بحاجة لمعرفة سياق الكلام، وعرضوا صورة لغريتا مع جورج سوروس المستثمر الملياردير والمتبرع السياسي التقدمي. وذكروا أن الصورة دليل على انتماء غريتا لجماعة سرية عالمية تعارض الحزب الحاكم القومي في بولندا "القانون والعدالة" والشعبويين حول العالم.

لكن الصورة مزيفة، ونشرها رقميا على نطاق واسع متطرفون يمينيون، وتضم رأس سوروس مع جسم آل غور نائب الرئيس الأميركي الأسبق. تعد الصورة أحد الأمثلة على مقدار تغير الاعلام الرسمي الى ناطق بلسان الحكومة البولندية، مما يثير مخاوف من عدالة انتخابات البلاد وإشعال اعتراضات مسؤولي الاتحاد الأوروبي القلق على حرية الاعلام.
سيطر الحزب الحاكم على إعلام الدولة باعتباره أقوى أداة انتخابية له، وأثبت التلفزيون الرسمي "تي في بي" أنه أكثر عرضة للحزب من أية حملة دعائية انتخابية أو لوحة اعلانات.
عرضت القناة سيلا مستمرا من القصص المتملقة عن الحزب الحاكم، وذكّرت الناخبين باستمرار بكمية الأموال التي أنفقتها الحكومة على البرامج الاجتماعية، وحذرت من أن التصويت للمعارضة سيؤدي الى دمار مالي للبلاد.
اتصف الاعلام البولندي بالاستقطاب دائما وسعت الحكومات السابقة الى التأثير في القنوات الرسمية، لكن ليس بهذا النمط الساحق والممنهج الذي يتبعه حزب القانون والعدالة. أعاد الحزب خلال سنوات حكمه الأربع صياغة المشهد الاعلامي وفرض سيطرة حكومية كاملة على القناة الرسمية وطارد الاعلام المستقل.
 
تراجع الحريات
تقول الحكومة أنها تحاول تصحيح عدم التوازن بوجهات النظر السياسية في الاعلام، لكن استطلاعات أجريت بالريف البولندي ذكرت أن 50 بالمئة من السكان يحصلون على الأخبار من القناة الوطنية حصرا.
تراجع ترتيب بولندا في المؤشر السنوي لحرية الصحافة العالمية الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود بصورة سنوية منذ تسنم الحزب السلطة، من المركز 18 عام 2015 الى 59 في أحدث مسح للمنظمة.
يشعر معارضون بالقلق من تقييد حرية الصحافة أكثر من الوضع الحالي اذا حقق الحزب فوزا كبيرا بالانتخابات. واقترح قادة الحزب تقييد الملكية الأجنبية لوسائل الاعلام، ويشمل ذلك دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، مما قد يسكت بعض القنوات الاعلامية المؤثرة والمعارضة داخل
البلاد. يتضمن البيان السياسي للحزب دعوات الى انشاء "هيئة للتنظيم الذاتي" على الصحفيين، ويخشى مراقبون تحول تلك الهيئة الى مراقبة مطبوعات.
لا يقتصر عمل التلفزيون الرسمي على تشكيل تصورات بولندا لحزب القانون والعدالة، بل يرسم تصورات البلاد للعالم الخارجي.
ترى الخدمة العالمية لهذه القناة أن ألمانيا وفرنسا أعداء محتملين، أما دونالد ترامب فهو أعظم رئيس أميركي منذ أجيال وحبه لبولندا يتعاضد مع تأثره بالحزب
الحاكم.
وفيما يتعلق بالمهاجرين الذين يجتاحون أوروبا ويجبرون عوائل من هامبورغ الى مرسيليا على تجميعهم في منازلهم ليلا خوفا من تعرضهم للاغتصاب أو الاعتداء، وفي الوقت الذي بدأت قضيتهم بالخفوت كمصدر قلق شعبي فالتلفزيون البولندي بدأ بعرض قصص مخيفة عن تهديد جديد وهو طاعون قوس قزح للمثليين.
بعد اغتيال العمدة الليبرالي لمدينة غدانسك "بافل آدموفيتز" على المنصة أثناء حفل خيري مطلع العام الحالي، قالت عائلته ورموز المعارضة أن مقتله جاء بسبب حملات التلفزيون الرسمي. وقال مسؤولون من غدانسك أن الاعلام الرسمي كرس 1800 مادة خبرية سلبية عن آدموفيتز في 2018 ووصفه بالسياسي الفاسد الذي سيسمح للارهابيين بدخول بولندا.
تبقى الصحافة البولندية أكثر حيوية من نظيرتها الهنغارية، اذ تمتلك الحكومة سيطرة شبه مطلقة على الاعلام، لكن الضغط على الصحفيين المستقلين يستمر بالتزايد.
وذكر صحفيون استقصائيون تعرضهم للتجسس والمضايقة، وفي الوقت نفسه وضعت سياسات الحكومة ضغطا ماليا متصاعدا على المنظمات الاخبارية المستقلة والمعارضة.
 
قطع التمويل
من أهم الجهات المستهدفة صحيفة "غازيتا فيبورتشا" التي تأسست عام 1989 كجزء من اتفاقية الطاولة المستديرة البولندية بين الحكومة الشيوعية وحركة التضامن وهي أكثر صحيفة يومية تأثيرا داخل البلاد.
يقول بارتوش فيلينسكي المحرر الخارجي للصحيفة أن الحكومة سلطت ضغطا بعدة وسائل، منها قطع اعلانات مشاريع مؤسسات الدولة. وخلقت مناخا يجعل من يريد تنفيذ مشاريع مع الحكومة يفكر مرتين بالاعلان لدى الصحيفة.
أصبحت الصحيفة عدوا للحزب الحاكم العام الماضي عندما نشرت سلسلة قصص كشفت فساد سلطة الاشراف المالي مما أجبر رئيسها على الاستقالة.
ورفع الحزب وهيئات رسمية أخرى منذ ذلك الحين 50 دعوى قضائية ضد الصحيفة وكبير مراسليها. ونشر بارتوش قائمة بعشرات الدعاوى الأخرى التي تخوضها الصحيفة. وسيلة الاعلام الكبيرة الأخرى التي تعرضت لانتقاد الحكومة هي قناة التلفزيون الخاصة "تي في إن" المملوكة من قبل مؤسسة ديسكفري الأميركية، وتتهمها الحكومة بنشر أخبار مزيفة. 
درست الحكومة خطط تأميم الاعلام والسماح لها بالسيطرة على قناة تي في إن، ولم تتراجع الا بعد حملة رفض شعبية وضغط دبلوماسي، لكن قادة الحزب الحاكم لم يتخلوا عن الفكرة.
دافع رئيس الوزراء ماتيوس مورافيكي عن ممارسات حزبه باستخدام حجة مألوفة عند أي متابع للاعلام اليميني. وذكر أن المشهد الاعلامي خاضع لهيمنة النخبة الليبرالية ولا يزال غير متوازن.
استولى حزب القانون والعدالة على قنوات البث الرسمية فور وصوله للسلطة عام 2015 وهي أول خطوة لاعادة صياغة الدولة. وسرعان ما أقر النواب تشريعا سمح للحكومة بتعيين وطرد المدراء المسؤولين عن التلفزيون وقنوات الاذاعة العامة.
شهدت السنوات الأربع الماضية طرد أو استقالة أكثر من 200 موظف، منهم أشهر مذيعي الأخبار والمراسلين في بولندا، وجاء بدلاؤهم من وسائل اعلامية محافظة موالية للحكومة، وتتهم الحكومة أيضا باستغلال وسائل الاعلام الرسمية لاستهداف الصحفيين غير المتفقين 
معها.