تغير التحالفات يفتح جبهة جديدة

بانوراما 2019/11/17
...


بيثان ماكيرنان  ترجمة: خالد قاسم
 
كل جندي في مدينة عدن على حافة الهاوية، ونقطة التفتيش الرئيسة على الطريق الساحلية بها فجوتان كبيرتان بالسقف بسبب قذائف الهاون، وقد شيدت السواتر على الشاطئ لابطاء تقدم العجلات المعادية.
المشكلة هي أن 25 رجلا يتنقلون حول مواقعهم ليسوا واثقين من شكل عدوهم، وشهدت آخر جولة قتال طرد المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي لقوات موالية للرئيس اليمني من المدينة، وهم حلفاؤهم السابقون، فاستفاد تنظيم القاعدة من هذه الفوضى وارتدى ملابس المجلس الانتقالي لنصب كمين للجنود هناك.

بعد مرور أكثر من أربع سنوات على الأزمة اليمنية، تحولت الحرب هناك الى ثلاث حروب: قتال بين الحوثيين والتحالف العربي بقيادة السعودية، وقتال بين هذين الطرفين ضد جماعات متطرفة مثل داعش والقاعدة، ومؤخرا قتال بين المجلس الانتقالي الراغب بالعودة لاستقلال جنوب اليمن ضد حلفائه السابقين في الحكومة
اليمنية.
دعا المجلس الانتقالي الصحيفة لرؤية وضع عدن على الأرض، وما شهده المراسلون هناك تشابكا معقدا من المسلحين الانفصاليين وسياسيين يحاولون تعزيز السيطرة ضمن وضع يشمل تحالفات لا تزال موجودة على الورق ولا تعني شيئا على أرض الواقع. وهذا الوضع سيزيد من صعوبة انهاء الحرب التي قتلت نحو 100 ألف شخص وأشعلت أسوأ أزمة انسانية عالمية.
بعد عداوة لسنوات، بلغ الجنوبيون وحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي نقطة اللاعودة بسبب الحوثيين: اذ تسبب هجوم مميت بطائرة مسيرة وصاروخ على استعراض عسكري في عدن قبل شهرين بمقتل أكثر من 30 مسلحا جنوبيا، منهم القائد منير محمود “أبو اليمامة”.
 
تحالف مفكك
اتهم الجنوبيون حكومة هادي بتجاهل تهديد الحوثيين على قواتهم وعدم تقاسم المعلومات الاستخبارية. تبعت ذلك مظاهرات وأربعة أيام من القتال الشديد وقتل العشرات وطرد الموالين لهادي من قصر عدن الرئاسي والقواعد العسكرية والمطار.
تسبب القتال كذلك بزعزعة استقرار التحالف السعودي بعد خروج الامارات منه. وعندما حاولت قوات هادي المدعومة سعوديا شن هجوم مضاد أواخر آب الماضي، شنت الامارات ضربات جوية ضدها وقتلت نحو 40 مسلحا ومدنيا.
عدن هي العاصمة المؤقتة المعترف بها دوليا لليمن منذ طرد الحوثيين قوات هادي من صنعاء عام 2015، لكن حكومة هادي لم تعد تمتلك وجودا هناك بسبب المعارك الاخيرة. 
يقول يمنيون جنوبيون أنهم لم يكونوا سعداء بانشاء اليمن المعاصرة في التسعينيات، وتعرضهم لتهميش مستمر من الحكومة الوطنية.
أما هادي الذي تولى الرئاسة عام 2012 بعد الاطاحة بعلي عبدالله صالح خلال الربيع العربي فيعد ضعيفا بنظرهم لأنه فشل بايقاف خطر القاعدة وترهيبها الجنوب.
يفتخر العدنيون بتاريخهم المميز والحضري: ترك التجار الأفارقة والصينيون والهنود والفرس بصماتهم على المدينة الساحلية، اضافة الى البرتغاليين والعثمانيين والبريطانيين الذين يحن اليهم الناس كثيرا. لكن الأيام الذهبية انتهت منذ فترة طويلة، ويشير مسؤولو المجلس الانتقالي لزخارف من الامبراطورية البريطانية، مثل الكنائس الوحيدة بشبه الجزيرة العربية وبوابة الكورنيش التي شيدت لزيارة الملكة عام 1954، لكنها تضررت جميعا بسبب الحرب.
تحولت الفنادق الشاطئية الفاخرة الى خط أمامي للمعركة لطرد الحوثيين من المدينة عام 2015. قد يريد المجلس الانتقالي الاستقلال لكنه يعتمد كثيرا على الامارات، ويقول مصدر مطلع داخل عدن أن الامارات أنقذت المجلس بغارات جوية ضد قوات هادي لأن المجلس لا يمتلك قوات كافية للقتال بمفرده.
 
أطماع الجيران
هدف الامارات في اليمن اضافة الى المنطقة برمتها هو كبح قوة جماعات حزب الاصلاح اليمني الاسلامية السياسية اذ تراه تهديدا لها، وكسب السيطرة على مضيق باب المندب الحيوي الرابط بين البحر الأحمر وخليج عدن وهو من أهم قنوات نقل النفط عالميا، وتناسب محمية في جنوب اليمن هذين الهدفين.
أعلنت الامارات سحب أغلب قواتها من اليمن في تموز الماضي، لكنها ما تزال تحتفظ بمعظم سطوتها على الأرض عبر المجلس الانتقالي والمسلحين الحلفاء.
ويمتلك المجلس دعما محليا قويا في عدن والمحافظات المجاورة لحج وأبين والضالع، ومن غير المرجح جدا أن هادي سيحاول اعادة السيطرة على المدينة مجددا. لكن نفوذ المجلس ليس قويا بنفس الدرجة في باقي مناطق الجنوب، ويجب اجراء تفاوض دقيق مع هادي بشأن احتياطيات البنك المركزي والحفاظ على الخدمات الحكومية، اذ لم يستلم الموظفون الحكوميون في عدن رواتبهم منذ أيلول 
الماضي.
يحتاج هادي بالمقابل المجلس الانتقالي للاستمرار بالسماح لحكومته بالوصول الى مطار عدن، وركزت محادثات عدم التصعيد في جدة طيلة الأسابيع الماضية على الحاجة لمواصلة المجلس الانتقالي وهادي وحزب الاصلاح تعاونهم في القتال ضد الحوثيين على جبهات مختلفة وافساح المجال لأصوات المجلس الانتقالي داخل الحكومة، وقد حصل اتفاق بين تلك الاطراف مؤخرا بهذا الصدد. وسينتقل مقر سلطة هادي والاصلاح الى مدينة مأرب الغنية باحتياطيات النفط والغاز. ونجح محافظ مأرب سلطان العرادة خلال السنوات القليلة الماضية بتحويل المدينة الى منطقة مزدهرة على النمط الغربي حيث وجد المهجرون اليمنيون أمانا نسبيا. 
يعتمد استقرار الاتفاق الأخير على ما سيحدث لاحقا ضمن محاولة المجلس الانتقالي تعزيز موقعه خارج عدن، ويخشى معظم المراقبين من صدامات أخرى في محافظة أبين لأنها نقطة الوسط بين عدن وشبوة الموالية 
للحكومة.