ضيًف (نادي الكتاب) في بغداد مدينة الإبداع الأدبي – اليونسكو، الأستاذ الدكتور كريم شغيدل في ندوة حواريَّة حول كتابه «خطاب الحداثة دراسة ثقافية لمشروع الحداثة الشعرية في العراق» على قاعة ستي في بيت الحكمة، المصادف 21 /11 /2019، أدار الندوة الدكتور محمد النجم مدير النادي. بدءاً أثنى الدكتور كريم شغيدل على فعاليات بغداد مدينة الإبداع الأدبي على ما تقدمه من جهودٍ في استضافة المثقفين وتغطية النشاطات الثقافيَّة المتنوعة بوصفها منبراً ثقافياً متوهجاً محلياً وعالمياً.
ومن ثم استطرد الدكتور شغيدل حديثه عن كتابه ( خطاب الحداثة دراسة ثقافية لمشروع الحداثة الشعرية في العراق) إنَّ فكرة (الثقافة) ثمرة من ثمار عصر النهضة الأوروبية، وما كنّا نلتفت بنظرة جديدة إلى هذه الكلمة بعد أنْ كانت كلمة عادية كغيرها، لولا تعرفنا عليها بكونها مفهوماً مستقلاً ولما تولّد عندنا الحافز للتعامل مع هذا المفهوم الذي جاءنا مصقولاً ومشبعاً بالبحث، الأمر الذي جعل غالبية الدارسين العرب يكتفون بتقريب معنى اللفظ العربي للمصطلح الغربي، فالبعض يرى أنه يرتد «بالعربية إلى المصدر ثـَقـَفَ وهو يحمل معاني التحويل والاصلاح والتهذيب، وهذا يجعله قريباً من المعنى الأصلي للكلمة (culture) اللاتينية” كما ذهب معن زيادة، بينما يذهب (مالك بن نبي) إلى الجانب القيمي في تعريفه فتصبح “مجموعة من الصفات الخلقية، والقيم الاجتماعية التي تؤثر في الفرد منذ ولادته، وتصبح لا شعورياً العلاقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه”، ويرمي ابن نبي من وراء هذا التعريف إلى صياغة علاقة تربوية لضم العناصر الاجتماعية والنفسية، فهي كما يقول لا تكفي أن تكون مجموعة من الأفكار والأشياء على الطريقة الأميركية أو انعكاساً للمجتمع على الطريقة الماركسية، وفي الإطار الإسلامي تشمل الثقافة عند (علي عزت بيجوفيتش) “الشعور بالأبدي بالاختيار والتعبير عن هوية الإنسان، وهذا الرأي يطابق رؤيته عن الدين” وهي عنده ذات طبيعة دينية، تماماً كما هي عند (ت.س.إليوت) الذي يرى أنه “لم تظهر ثقافة ولا نمت إلا
بجانب دين.
ومن هنا تبدو الثقافة نتيجة من نتائج الدين، أو الدين نتيجة من نتائج الثقافة” ويرى بعض الدارسين أنَّ الثقافة من مكتشفات الأنثروبولوجيا وذلك من خلال العودة إلى العقل البدائي
والمجتمعات البدائية.
واضاف شغيدل “البعض يؤرخ لمفهوم الثقافة استناداً لكتاب تايلور(الثقافة البدائية) الصادر العام 1871 الذي ارتبط عنده مفهوم الثقافة بمفهوم المجتمع، وقد عرّف الثقافة على أنها “الكل المركب الذي يشمل المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والقانون، وكل القدرات والعادات الأخرى، التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع” كما أشار زكي الميلاد، وهناك من يعدُّ هذا التعريف مختصراً لتاريخ الثقافة، وتتراوح نظرة الدارسين العرب بين العمومية والاختزال فالثقافة عند (علي حرب) “بمعناها الأشمل، هي صناعة
الحياة”.
وايضاً الثقافة هي الاشتغال على الطبيعة، وشكل من أشكال التواصل والتبادل” بينما عند (حسين مؤنس) تصبح مفهوماً عائماً: فمرةً تعني الأدب والشعر وأخرى “هي ثمرة كل نشاط إنساني محلي نابع عن البيئة ومعبر عنها أو مواصل لتقاليدها في هذا الميدان أو ذاك”، في حين يجد هادي العلوي “أنَّ الشعر لا يتصنف ضمن الثقافة إلا على سبيل المجاز أو التعميم..
فهو عنده من عمل الذهن لا من عمل العقل وهو ثقافة سلطة، بينما الثقافة التي يمثلها الفقهاء والمتكلمون والمتصوفة في ما بعد هي الثقافة الحقيقيَّة
المعارضة”.
وأكد شغيدل أنَّ مهام المثقف “ترجمة الواقع إلى إشكاليات فكرية أو صوغ العلاقة بالعالم صياغة مفهوميَّة، على نحو يمكن استثماره، سياسياً وعملياً، في عقلنة السلطات والقرارات والممارسات، أو في صناعة الأحداث والتعامل الفعال مع الوقائع” لذلك لا نستغرب عملية تهميش المشروع النقدي لـ(علي الوردي) وإقصاءه من دائرة الفعل الثقافي، ليس بفعل مباشر من سلطة، بل بفعل سلطة الخطاب المتمركزة حول ذات متشعرنة- كما يقول الغذامي- لا يمكن زعزعة وجودها اللفظي، بل إنَّ المصدّات الدفاعية قد حولت المشروع النقدي إلى مجرد أمثلة شعبية سائرة على لسان
العامة. وإذ بقي مثقف الحداثة (حارساً للأفكار)- بقي المشروع منقسماً بين اجترار الموروث وإعادة صياغة الرؤى الغربية، ولم ينتج خطاباً مفهومياً لفهم الثقافة وإشكالياتها وأسئلتها، لأنَّ- أي المشروع- لم يعِ ابتداءً إشكاليات الواقع بإزاء التحولات، ما لم نقل إنه تماهى مع حداثة العسكر، التي قادت التحولات السياسية لكونها القوة الوحيدة في ظل غياب القوى الاجتماعية والثقافية التي يمكن أنْ تصنع الثورة بمفهومها الإنساني
الشامل .
وقد حضر الأصبوحة عددٌ كبيرٌ من رواد المدينة الإبداعية أغنوا الجلسة بالعديد من التساؤلات الثقافية القيمة.