الأجل الدستوري لتكليف مرشَّح الكتلة الأكثر عدداً بعد استقالة رئيس الوزراء

العراق 2019/12/08
...

د. حسن الياسري
مِن المعلوم أنَّ استقالة رئيس الوزراء تُحتِّم ضرورة تكليف مرشحٍ جديدٍ لرئاسة الوزراء . إنَّ هذا التكليف يتعيَّن أنْ يكون ضمن السقوف والآجال الزمنية المحدَّدة في الدستور . بيدَ أنَّ الاختلاف –كالعادة – نشب بصدد الأجل الدستوري لهذا التكليف؛ هل هو خمسة عشر (15) يوماً ، أو  ثلاثون (30) يوماً ؟.
وبادئ ذي بدء، لا بدَّ مِن الإقرار بعدم وجود نصٍ صريحٍ يُنظّم الأمر ؛ مِنْ هنا سيصبح الأخير محلاً للاجتهاد . وبطبيعة الحال ستكون الآراء المطروحة في هذا الشأن موضع احترامٍ وتقديرٍ؛ ما دامت مِنْ متخصِّصين .
*في حالة سحب الثقة من رئيس الوزراء يقضي الدستور بعدِّ الحكومة مستقيلةً حُكماً، وتَحوُّلها إلى حكومة تصريف الأعمال، وآنذاك تستمر بهذا الوصف لمدة ثلاثين يوماً لغاية تكليف مرشّحٍ جديدٍ لتأليف الحكومة؛ ما يعني أنَّ المدة المحدَّدة لتكليف هذا المرشَّح في حالة عدّ الحكومة مستقيلةً هي ثلاثون يوماً وليست خمسة عشر يوم
لقد تطرق الدستور إلى ذكر آجالٍ ومددٍ دستوريةٍ كثيرةٍ ، تتعلق بقضايا متعددةٍ ، وإنَّ ما يهمنا من هذه المدد هو ما يتعلق بتكليف المرشَّح لرئاسة الوزراء، دون غيرها . وفي هذا الصدد نُنوّه بأنَّ الدستور تطرق إلى ذكر مُدَّتين اثنتين ، هما :
 
أولاً : مدة الخمسة عشر (15) يوماً :
لقد أورد الدستور مدة الخمسة عشر (15) يوماً في موارد أربعةٍ :
أ- المدة المحدّدة لتكليف مرشَّح الكتلة النيابية الأكثر عدداً بعد إجراء الانتخابات التشريعية وانتخاب رئيس الجمهورية. فلقد قضى البند –أولاً– من المادة (76) من الدستور بتحديد هذه المدة بــ (15) يوماً .
ب- المدة المحدّدة لتكليف مرشحٍ آخر عند إخفاق الأول – المذكور في أعلاه– بتأليف الحكومة . إذْ يتعيَّن تكليف مرشحٍ آخر خلال خمسة عشر يوماً من تأريخ إخفاق المرشَّح الأول بتأليفها .
ج- المدة المحدّدة لتكليف مرشحٍ آخر عند عدم قدرة المرشَّح الأول على نيل ثقة البرلمان، إذْ حدَّد الدستور مدة خمسة عشر يوماً لتكليف مرشحٍ جديدٍ عند عدم قدرة الأول على نيل ثقة البرلمان .
د- خُلوُّ منصب رئيس الوزراء :
عند خُلوّ منصب رئيس الوزراء يقوم رئيس الجمهورية مقامه؛ وآنذاك يتعيَّن على الأخير تكليف مرشَّح الكتلة النيابية الأكثر عدداً لتأليف الحكومة خلال مدة خمسة عشر يوماً . مع التنويه بأنَّ الخُلوّ لا يعني الاستقالة بأية صورةٍ من الصور ، خلافاً لما ذهب إليه البعض توهماً، ولقد أوضحنا الفرق بينهما في ما سلف .
 
ثانياً : مدة الثلاثين (30) يوماً :
لقد أورد الدستور مدة الثلاثين (30) يوماً لتكليف المرشَّح بتأليف الحكومة في حالتين ، هما :
-1 عقب سحب الثقة من رئيس الوزراء :
في حالة سحب الثقة من رئيس الوزراء يقضي الدستور بعدِّ الحكومة مستقيلةً حُكماً، وتَحوُّلها إلى حكومة تصريف الأعمال، وآنذاك تستمر بهذا الوصف لمدة ثلاثين يوماً لغاية تكليف مرشّحٍ جديدٍ لتأليف الحكومة؛ ما يعني أنَّ المدة المحدَّدة لتكليف هذا المرشَّح في حالة عدّ الحكومة مستقيلةً هي ثلاثون يوماً وليست خمسة عشر يوماً .
2 -  تقديم التوليفة الوزارية إلى البرلمان لنيل الثقة :
يجب على المكلف بتأليف الوزارة - الحكومة - الانتهاء من تقديم التوليفة الوزارية – أسماء الوزراء – إلى البرلمان خلال ثلاثين يوماً من تأريخ التكليف ؛ بغية نيل الثقة .
ومِّما تقدم يمكن الخلوص إلى الآتي :
أولاً : إنَّ مدة الخمسة عشر يوماً المتعلقة بتكليف المرشَّح الجديد لرئاسة الوزراء تطبَّق –مِن الناحية الموضوعية- في حالتين :
 الأولى : عند إجراء الانتخابات التشريعية الجديدة وما يعقبها من تأليف الكتلة النيابية الأكثر عدداً ثم انتخاب رئيس الجمهورية ، إذْ يتعيَّن بعدها تكليف مرشَّح هذه الكتلة . ما يعني أنَّ هذه الحالة ترتبط مباشرةً بنتائج الانتخابات وبدء الدورة البرلمانية الجديدة .
الثانية : عند خلو منصب رئيس الوزراء ، كما في حالة وفاته ، إذْ يقوم رئيس الجمهورية – مؤقتاً - مقامه خلال خمسة عشر يوماً ، على أنْ يتم في غضون هذه المدة(15 يوماً ) تكليف مرشحٍ آخر من الكتلة ذاتها .
ما يعني أنَّ هذه الحالة ترتبط بشكلٍ مباشرٍ بمشكلة خُلوّ المنصب . مع التنويه مجدداً بأنَّ الخلو لا يعني الاستقالة البتة ، لا من قريبٍ ولا بعيدٍ .
ثانياً : إنَّ مدة الثلاثين يوماً ، وبقدر تعلق الأمر بتكليف المرشَّح الجديد لرئاسة الوزراء ، تطبق في حالةٍ واحدةٍ فقط ، وهي الحالة المتعلقة بسحب الثقة من رئيس الوزراء ، إذْ تعدُّ الحكومة مستقيلةً حُكماً ؛ وتتحوّل إلى حكومة تصريف الأعمال .
أيُّ المدَّتين واجبة التطبيق في حالة تكليف مرشحٍ جديدٍ بعد استقالة رئيس الوزراء الحالية ؟
   غنيٌ عن البيان أنْ لا مناص من الاجتهاد عند غياب النص ؛ بغية استنباط الرأي السليم . وفي هذا الصدد نلاحظ أنَّ الحالة الأولى تتعلق بالمرحلة اللاحقة لإجراء الانتخابات التشريعية وبدء الدورة البرلمانية الجديدة . وهذه الحالة لا علاقة لها البتة باستقالة رئيس الوزراء الحالية ؛ ذلك أنَّ الدورة البرلمانية قائمةٌ منذ قرابة السنتين ، وقد تم تأليف الحكومة –المستقيلة – على وفق تلك الحالة –المادة 76– ؛ لذا يعسر الركون إليها ، إنْ لم يتعذَّر ، بصدد الحالة المنظورة المتمثلة بتأليف الحكومة الجديدة التي ستعقب الحكومة المستقيلة .
في حين تبدو الحالة الثانية أقرب إلى وضعنا الحالي ، رغم أنها لا تشبهها ؛ ذلك أنَّ هذه الحالة –المادة 61/ ثامناً/ د– جاءت لتعالج مشكلة الاستقالة الحُكمية ، وأعني بذلك سحب الثقة من رئيس الوزراء بعد إجراء الاستجواب ؛ إذْ تعدُّ الحكومة مستقيلةً – حُكماً - ، وتتحوَّل إلى حكومة تصريف الأعمال ، كما ذكرنا آنفاً . ففي حالتنا المنظورة قام رئيس الوزراء بتقديم استقالته طوعاً ، وهي ما يمكن أنْ أُعبِّر عنها بــ( الاستقالة الحقيقية أو الطوعية ) .
وبناءً على ذلك يمكن أنْ نستشف أنَّ إعمال هذا النص المرتبط بالاستقالة الحُكمية للحكومة على الاستقالة الطوعية لها سيكون أقرب وأوجه وأكثر اتفاقاً مع روح الدستور ، وأنَّ إعمال النص الآخر (المادة 76) سيجعله بعيداً عن المقصود وروح الدستور وإرادة المشرع الدستوري  ؛ فلسنا في هذه المرحلة بصدد نتائج الانتخابات الجديدة ونروم تأليف حكومةٍ جديدة ٍ، بل نحن بإزاء استقالةٍ طوعيةٍ لرئيس الحكومة ، فتكون هذه الحالة أقرب في الحكم للاستقالة الحُكمية 
للحكومة . 
وتأسيساً على كل ما تقدم نذهب إلى أنَّ الأجل الدستوري المضروب لرئيس الجمهورية لتكليف مرشَّح الكتلة النيابية الأكثر عدداً بتأليف الحكومة الجديدة ينبغي أنْ يُحدَّد بمدَّة ثلاثين (30) يوماً ، لا خمسة عشر (15) يوماً ؛ استناداً إلى أحكام المادة (61/ثامناً/د ) من الدستور . مع التنويه بأنَّ الترشيح يبقى هنا حقاً للكتلة النيابية الأكثر عدداً ، كما تسير عليه التجارب البرلمانية الدولية .