العلاقة المؤثرة بين الدماغ والساعة البيولوجيَّة في تحديد كميَّة الطعام

من القضاء 2020/01/10
...

ترجمة/ نادية المختار
 
وجدت دراسة جديدة أنَّ مركز متعة الدماغ والساعة البيولوجيَّة للمخ مرتبطان، وأنَّ الأطعمة ذات السعرات الحراريَّة العالية التي تجلب المتعة، تعطل جداول التغذية الطبيعيَّة، ما يؤدي الى الاستهلاك الزائد. 
خلال الأعوام 1976 الى 1980، كان 15 بالمئة من البالغين في الولايات المتحدة يعانون من السمنة المفرطة. واليوم، هناك نحو 40 بالمئة من البالغين يعانون من السمنة المفرطة، بينما يعاني 33 بالمئة من زيادة الوزن. 
ويتزامن مع هذه الزيادة في الوزن ارتفاع معدلات أمراض القلب والسكري والسرطان والمضاعفات الصحيَّة الناجمة عن السمنة، مثل ارتفاع ضغط الدم. وحتى مرض ألزهايمر قد يعزى جزئياً الى السمنة والخمول البدني.
 
تغير النظام الغذائي 
يقول البروفيسور ايلي غولر، أستاذ علم الأحياء بجامعة فرجينيا: “النظام الغذائي في الولايات المتحدة ودول أخرى قد تغير بشكل كبير في السنوات الخمسين الماضية أو نحو ذلك مع توفر أطعمة عالية التجهيز بسهولة وبتكلفة منخفضة في أي وقت من النهار أو الليل. والكثير من هذه الأطعمة غنيَّة بالسكريات والكربوهيدرات والسعرات الحراريَّة، ما يؤدي الى اتباع نظام غذائي غير صحي عند تناوله بانتظام على مدار سنوات عديدة”. 
وقد أوضح غولر، أنَّ الدماغ ينتج مادة الدوبامين الكيميائي، وأنَّ الساعة البيولوجيَّة في المخ هي التي تنظم الايقاعات الفسيولوجيَّة اليومية وهما مرتبطان، وأنَّ الأطعمة عالية السعرات الحراريَّة التي تجلب المتعة لمتناوليها، هي من تعطل جداول التغذية الطبيعية، ما يؤدي بنا الى الاستهلاك الزائد للطعام.
وباستخدام فئران مختبريَّة كنماذج للدراسة، زودوا بنظام غذائي غني بالدهون على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، فأظهروا أنَّ تناول الوجبات الخفيفة في أي وقت يؤدي في النهاية الى السمنة والمشكلات الصحيَّة ذات الصلة. 
وجد فريق غولر، أنَّ الفئران التي غذيت بنظام غذائي مشابه لنظام غذائي برّي من السعرات الحراريَّة والدهون، قد حافظت على جداول الأكل والتمارين الطبيعيَّة والوزن المناسب. لكنَّ الفئران التي تغذت على وجبات عالية السعرات الحراريَّة محملة بالدهون والسكريات بدأت في تناول وجبة خفيفة في جميع الأوقات وأصبحت بدينة.
بالإضافة الى ذلك، فإنَّ ما يسمى بفئران (الضربة القاضية) التي تعطلت فيها إشارات الدوبامين- وهذا يعني أنهم لم يسعوا الى الحصول على متعة مجزية لنظام غذائي غني بالدهون، وحافظوا على جدول زمني طبيعي لتناول الطعام ولم يعانوا من السمنة المفرطة حتى عند تقديمهم مع توافر الأعلاف ذات السعرات الحراريَّة العالية على مدار الساعة طوال الأسبوع.
 
إشارات الدوبامين 
يقول غولر: “لقد أظهرنا أن إشارات الدوبامين في الدماغ تحكم على الأحياء البيولوجيَّة وتؤدي الى استهلاك الأطعمة الغنية بالطاقة بين الوجبات وأثناء الساعات الفرديَّة. وهناك دراسات أخرى أظهرت أنه عندما تتغذى الفئران على الأطعمة الغنيَّة بالدهون بين الوجبات أو خلال ساعات الراحة المعتادة، فإنَّه يتم تخزين السعرات الحراريَّة الزائدة على شكل دهونٍ بسهولة أكبر بكثير من العدد ذاته من السعرات الحراريَّة المستهلكة فقط خلال فترات التغذية العادية. وهذا يؤدي في النهاية الى السمنة والأمراض المرتبطة بالسمنة مثل مرض السكري.
وفي حديثه عن النظام الغذائي الحديث للإنسان، أوضح غولر أنه قد يتم الآن تجميع السعرات الحراريَّة لوجبة كاملة بحجم صغير، مثل الكعكة أو الصودا كبيرة الحجم. فمن السهل جداً أنْ يستهلك الناس السعرات الحراريَّة الزائدة ويكسبون زيادة الوزن، ما يؤدي في كثير من الأحيان الى السمنة ومشكلات صحيَّة ذات الصلة طوال العمر.
ومن المعروف طبياً أنَّ نصف الأمراض التي تصيب البشر تتفاقم بالسمنة. وهذا يؤدي الى الحاجة الى مزيدٍ من الرعاية الطبية وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية للأفراد والمجتمع.
ويؤكد غولر، أنَّ جسم الإنسان، عبر آلاف السنين من التطور يصعب أنْ يستهلك أكبر قدر ممكن من الطعام طالما كان متاحاً. وهذا يأتي من تاريخ سابق طويل عندما كان الناس يصطادون أو يجمعون الطعام ويمرون بفترات قصيرة من الشبع ثم تعقبها فترات طويلة من الجوع. فقد كان البشر أيضاً فريسة محتملة للحيوانات الكبيرة، لذلك سعى بنشاط للحصول على الطعام خلال النهار والاستراحة في 
الليل. 
يقول غولر: “لقد تطورنا تحت ضغوط لم تعد لدينا. ومن الطبيعي أنْ ترغب أجسامنا ككائنات حية بأستهلاك أكبر قدرٍ ممكن لتخزين الدهون، لأنَّ الجسم لا يعرف متى ستأتي الوجبة التالية. لكنْ، بالطبع، أصبح الطعام الآن وفيراً، ووجبتنا التالية قريبة في المطبخ، أو عند أقرب مطعم للوجبات السريعة، أو حتى هنا مباشرة على مكتبنا. وغالباً ما تكون هذه الأطعمة غنية بالدهون والسكريات وبالتالي ارتفاع السعرات الحرارية، وهذا هو السبب إذ إنه من السهل الإفراط في الاستهلاك، وهذا مع مرور الوقت يؤثر في صحتنا”.
بدوره فالنشاط البشري متزامنا ليلا ونهارا، فنحن نعمل ونلعب ونأكل ليلا ونهارا. وهذا يؤثر في ساعات أجسامنا التي تطورت لتعمل على دورة النوم والاستيقاظ الموقوتة للنشاط النهاري والأكل المعتدل والراحة الليليَّة. 
ويخلص غولر: “أسلوب الحياة الممتع وتناول الطعام في أي وقت يعيد تشكيل أنماط الأكل ويؤثر في كيفية استخدام الجسم للطاقة. وهذا يغير عملية الأيض ويؤدي الى السمنة التي تسبب 
الأمراض”.
عن ساينس ديلي