رسالة أم تحفة علميَّة للزهاوي

ثقافة 2020/01/11
...

سالم بخشي
 
جميل صدقي الزهاوي، عرفناه شاعرًا فيلسوفًا متنورًا، يحمل أفكارًا تقدمية، ويدعو إلى تحرير المرأة من الحجاب، وتمكينها من العلم والفرص؛ لترتقي بها الأمة. لكننا اليوم نتعرف عليه بطريقة مغايرة تمامًا. الدكتور هادي عميرة، ومن خلال كتابه الذي يقدم فيه لكتاب (الجاذبية وتعليلها.. جميل صدقي الزهاوي/ 1910) الصادر عن دار ضفاف للطباعة والنشر والتوزيع/ منشورات 2019. يقدم الزهاوي عالمًا وفيلسوفًا فيزيائيًا يبحث موضوع الجاذبية وأسرارها، لا يقل شأنًا عن العلماء الأوربيين الذين بحثوا في هذا المضمار. وأنه ألّف رسالة علمية بالفعل في هذا الموضوع ووسمها (الجاذبية وتعليلها) في العام 1910 ميلادية.
من خلال دراسته التقديمية التي سبقت عرض الكتاب الأصلي للزهاوي، يقوم المؤلف هادي عميرة، باستعراض تاريخي شائق، عن أهم النظريات التي بحثت في موضوع الجاذبية وأسرارها عبر التاريخ، ونضج هذه النظريات وتطورها.
ففي الوقت الذي عدّ فيه الفيلسوف اليوناني الكبير أرسطو (أن الأجسام تسقط بسرعة تتناسب مع وزنها) بمعنى أنه عند رمي جسم خشبي، وجسم معدني بالحجم نفسه؛ فإنّ الجسم المعدني الثقيل، سيسقط بشكل أسرع. وبقيت هذه الفكرة عن الجاذبية سائدة لألفي عام، حتى جاء العالم غاليليو، الذي يعد أول العلماء الذين قاموا بوضع هذه المفاهيم العلمية كعلم مستقل، وما نتج عنه، علم الفيزياء الحديث؛ لأنه كان سائدا في العصور الوسطى، الاعتماد على الافتراضات البينية. حيث فنّد – من خلال التجربة - النظرية القديمة، وبيّن أن سقوط الاجسام لا علاقة له بوزنها، وإنّما هي مسألة تتعلق بقوة الجذب، ومقاومة الهواء، والاحتكاك، فضلا عن وزن الجسم، واستنتج (أن جميع الاجسام تخضع لمعدل متناسق من التسارع، وهذا الحراك يقود الجسم الهابط إلى مركز مصدر الجذب).
بعد الذي جاء به، أرسطو، ومن ثمّ غاليليو، نشر نيوتن نظريته المعروفة في الجاذبية، بعد أن كان جالسًا تحت شجرة، وسقطت تفاحة من الشجرة على رأسه؛ الأمر الذي جعله يتساءل: لماذا سقطت التفاحة على الأرض، بالتحديد؟! ومن هذا وضع الأساس لفكرته، وبيّن أنّ الجاذبية، هي قوة يمكن التنبوء بها، وهذه القوة مشابهة للقوة التي تعمل بها المادة الكونية، وينص قانون نيوتن: (كل جسيم من المادة، يجذب الجزيئات الأخرى معًا، بقوة تتناسب طرديًا مع ناتج كتلتها، وتتناسب عكسيًا مع مربع المسافة بينهما).بعد ذلك أسهم ألبرت آينشتاين الفائز بجائزة نوبل للفيزياء العام 1921 بنظرية بديلة للجاذبية، وهي النظرية النسبية الشهيرة التي قدم من خلالها تفسيرًا مختلفًا للغاية عن قانون الجاذبية لنيوتن.نستنتج من خلال الأفكار الواردة في النظرية النسبية أنّ جاذبية الأرض تنتج من تأثير الغازات التي تحيط بالكرة الأرضية التي تشكل غلافا ضاغطا عن الاجسام التي في داخلها، وهذا الغلاف يعرف بـ (الغلاف الضاغط) وتلك الغازات تؤدي عملا رئيسا؛ لضمان استقرار وثبات الاجسام على أي سطح متوفر لتستقر عليه، وهذا السطح يسمى (السطح الحامل) وإن سطح الكرة الارضية، أحد الاسطح الحاملة، وأن سقوط الأشياء على الكرة الأرضية ليس بسبب قوة الجذب؛ بل بسبب وزن الجسم الساقط الذي هو أثقل من الهواء الحامل.
بعد انتهاء الباحث من استعراض التفاسير والطروحات التي ناقشت موضوع الجاذبية على مر العصور، يقدم بإسهاب ما تم طرحه من تفسير من قبل الزهاوي عن موضوع الجاذبية في رسالته العلمية التي وسمها: (الجاذبية وتعليلها) في العام 1910 ميلادية، وهي نظرية فيزيائية علمية خاصة بالزهاوي، تختلف عما سادت من نظريات، ولا تقل أهمية عنها، ولو تم رعايتها والاعتناء بنشر وتسويق وترويج الأفكار الواردة فيها، لكان للزهاوي شأن آخر غير الشعر والفلسفة، وهذا ما لم يتم في ذاك الوقت ولا حتى الآن؛ وكأنّ مطربة الحي لا تطرب، ولو جاءت بالعجب العجاب!
ثم يضع الدكتور هادي عميرة  رسالة الزهاوي العلمية عن الجاذبية بالكامل في الشق الثاني من كتابه، لنطالع من العلم والتفسير والافكار ما يحملنا على الدهشة ويثير في نفسنا الشجن. الدهشة للعلم المكنون الذي انطوى عليه الزهاوي، والاسى على التجاهل والاهمال الذي أصاب هذه الرسالة العلمية المهمة!
نشاطر الزهاوي همّه، عندما ضمّن رسالته العلمية، شكوى اعترته من الاهمال الذي كان يعانيه وعدم الاهتمام للأفكار المهمة التي طرحها قائلًا: (ليس من العدل احتقار هذا العمل لمجرد كون صاحبه شرقيًا أو أنه ليس من خريجي مدرسة أكسفورد الجامعة؛ فإنّ الحقيقة بنت البحث لا تختص بقوم أو أفراد دون آخرين).