العلاقة الصحية بين الالتهابات والتباطؤ العقلي لدى الانسان

من القضاء 2020/01/12
...

ترجمة/ نادية المختار 
 
كشف علماء في جامعة برمنغهام بالتعاون مع جامعة أمستردام، عن تفسير محتمل للتباطؤ العقلي الذي يصاحب بعض الأشخاص في كثير من الأحيان. يعاني ما يقدر بنحو 12 مليون مواطن بريطاني من حالة طبية مزمنة، وكثير منهم يبّلغون عن شعورهم بارهاق عقلي شديد يصفونه بأنه “تباطؤ” أو “ضباب الدماغ”. هذه الحالة غالبا ما تكون موهنة مثل المرض نفسه. 
 
 
كما يعاني 20 بالمئة من سكان الولايات المتحدة من مرض عقلي، وعلى مدى العمر ، يحصل نحو 50 بالمئة منهم على تشخيص في أي سنة معينة حصل لهم 
ذلك.
قام فريق من الباحثين في مركز صحة الدماغ في الجامعة، بالتحقيق في العلاقة بين هذا الضباب العقلي والالتهابات. فقد أظهروا أن الالتهاب له تأثير سلبي معين على العصبونات بمقدار استجابة الجسم للمرض، حسبما جاء في دراسة نشرت مؤخرا في مجلة “الأعصاب” الطبية، توضح بالصور كيف يستعد الدماغ للوصول الى حالة التأهب والحفاظ عليها.  
 
عملية حرجة 
يقول البروفسور علي مظاهيري، مؤلف الدراسة بالتعاون مع البروفسور جين ريموند، من مركز صحة الدماغ في جامعة برمنغهام: “يشتبه العلماء منذ فترة طويلة بوجود صلة بين الالتهاب والادراك، لكن من الصعب للغاية توضيح السبب والنتيجة. على سبيل المثال، فأن الأشخاص الذين يعانون من حالة طبية أو يعانون من زيادة الوزن قد يشكون من ضعف ادراكي، ولكن من الصعب معرفة ما اذا كان ذلك بسبب الالتهاب المرتبط بهذه الحالات، أو ما اذا كانت هناك أسباب أخرى. وقد حدد بحثنا عملية حرجة معينة داخل الدماغ تتأثر بوضوح عند وجود التهاب.” 
ركزت الدراسة بشكل خاص على منطقة الدماغ المسؤولة عن الاهتمام البصري. شاركت مجموعة من الشباب المتطوعين ممن تلقوا لقاح التيفوئيد السالمونيلا الذي يسبب التهابا مؤقتا ولكن له آثار جانبية قليلة. ثم تم اختباره من أجل الاستجابات المعرفية للصور البسيطة على شاشة الكمبيوتر بعد ساعات قليلة من الحقن بحيث يمكن قياس قدرتها على التحكم في الانتباه. ثم تم قياس نشاط الدماغ أثناء اجراء اختبارات الانتباه في يوم مختلف، سواء قبل أو بعد أخذ اللقاح. بعدها تلقوا حقنة بالماء (دواء وهمي) وأجروا اختبارات الانتباه نفسها. وفي كل يوم اختبار لم يكونوا على دراية بأي حقنة تلقوها. وتم قياس حالة الالتهاب عن طريق تحليل الدم المأخوذ في كل 
يوم. 
قيّمت الاختبارات المستخدمة في الدراسة ثلاث عمليات اهتمام منفصلة، كل منها يشمل أجزاء مختلفة من الدماغ. هذه العمليات هي: “التنبيه” الذي يتضمن الوصول الى حالة التنبيه والمحافظة عليها. و”التوجيه” الذي يتضمن اختيار المعلومات الحسية المفيدة وتحديد أولوياتها. و”الرقابة التنفيذية” المستخدمة في حل ما يجب الانتباه اليه عند تعارض المعلومات المتاحة. 
أظهرت النتائج أن الالتهابات أثرت بشكل خاص على نشاط الدماغ المتعلق بالبقاء في حالة تأهب، في حين أن عمليات الانتباه الأخرى لم تتأثر 
بالالتهاب. 
يقول البروفسور مظاهيري: “تظهر هذه النتائج بوضوح تام أن هناك جزءا محددا جدا 
من شبكة الدماغ يتأثر بالالتهابات. وهذا يمكن أن يفسر” ضباب الدماغ.”  
 
خطوة كبيرة 
ويقول البروفسور ريموند: “يعد هذا البحث بمثل خطوة كبيرة الى الأمام في فهم الروابط بين الصحة البدنية والمعرفية والعقلية، ويخبرنا أنه حتى أقل الأمراض حدة قد تقلل اليقظة لدى الانسان.” 
أما الدكتورة ليوني بالتر، فتخلص الى أن “فهم أفضل للعلاقات بين الالتهاب ووظيفة المخ سوف يساعدنا في استكشاف طرق أخرى لعلاج بعض هذه الحالات. على سبيل المثال، المزيد من الأبحاث قد تظهر أن المرضى الذين يعانون من حالات مرتبطة بالتهاب مزمن، مثل السمنة أو أمراض الكلى أو مرض الزهايمر، يمكنهم الاستفادة من تناول الأدوية المضادة للالتهابات للمساعدة في الحفاظ على الوظيفة الادراكية أو تحسينها. وعلاوة على ذلك  يمكن استخدام التغييرات الطفيفة في وظائف المخ كتدهور معرفي مبكر في المرضى الذين يعانون من الأمراض الالتهابية.” 
تشير النتائج الى أن هذا الارتباط الروتيني للأمراض العقلية والعنف تجاه الآخرين يرسم صورة غير عادلة لأولئك الذين يعانون من مرض عقلي، مما يشير الى أن معظمهم عرضة للعنف، اذ خلصت العديد من الدراسات الى أن نسبة صغيرة فقط ترتكب العنف بالفعل. 
ويعتبر مرض انفصام الشخصية هو التشخيص المحدد الذي يتم ذكره في أغلب الأحيان على أنه مرتبط بالعنف بنسبة 20 بالمئة، وكان أكثر عوامل الخطر المذكورة للعنف بخلاف الأمراض العقلية تعاطي المخدرات 55 بالمئة، وأحداث الحياة المجهدة 25 بالمئة.
يقول البروفسور مياغنتي: “تزيد القصص السلبية من الادراك بأن الأشخاص المصابين بمرض عقلي خطيرين ويجب الابتعاد عنهم ولو كانوا في حالة هدوء وسكينة، لأننا لا نتوقع منهم خيرا بسبب وضعهم الصحي المميز.  
تقول الدكتورة ايما بيث استاذة طب التصلب العصبي المتعدد:” معظم الأشخاص المصابين بأمراض عقلية ليسوا عنيفين تجاه الآخرين ومعظم العنف ليس بسبب مرض عقلي. لكننا لن تعرف ذلك أبدا من خلال النظر اليهم. وعلى الرغم من كل العمل الذي تم القيام به للحد من وصمة العار المرتبطة بقضايا الصحة العقلية، فأن تصوير المرض العقلي على أنه يرتبط ارتباطا وثيقا بالعنف يزيد من الادراك الخاطئ للأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض.”
 
 
                                                                                                                                                                                                                                              عن ساينس ديلي