ثنـائيَّـة اللـذة والألـم

ثقافة 2020/01/13
...

حسين السلمان 
تؤكد كلّ الدراسات على أنَّ الانتقام والثأر هما سلوكان بشريان وجدا منذ وجود الإنسان. وهما من المحفزات العاطفية التي تثير الناس على القيام بهذا الفعل العنيف، وهما من أشكال شعور المرء بالراحة حينما يقوم بتفريغ مشاعر الغضب الكامنة في داخله. 
ولهذا فإنّ علم النفس التطوري يؤكد أنّ (الثأر من التجارب المعتادة في حياة البشر، ويدرك الناس في جميع المجتمعات فكرة الغضب والرغبة في رد الإيذاء بمثله..).
لقد ظهرت هذه الحالات واضحة في الأدب القديم، وتكفي الإشارة إلى الإلياذة للشاعر هوميروس، الذي جسّد بشكل دقيق أسباب ودوافع الانتقام في معركة اعد لها الملك مينلاوس جيشا كبيرا وذهب إلى طروادة ليعلن حربا طاحنة لسنوات طويلة انتقاما من باريس، الذي اختطف زوجته هيلين. وهكذا ظل الأدب والفن يوظف هذه السلوكية من المسرحيات الأولى وصولا إلى شكسبير، خاصة مسرحيته هملت وإلى يومنا هذا.
 
تفاعل المشاعر
تنمو السلوكيات العدوانيّة داخل حيّز من المشاعر والأحاسيس، التي من خلالها يتم في داخل شبكة كبيرة من التفاعلات داخل مكنونات الإنسان، قبل أن يبدأ في الهجوم على الآخر، وهو غالبا ما يكون هجوما مباغتا. هذه المشاعر يطلق عليها العلم تسمية (الوسيط النفسي) وهي ما تعرف بـ (الأفكار والمشاعر التي تطرأ ما بين الاستفزاز وبين التهجّم على الآخرين). وتطبيقا لهذا التحليل نجد أن الاعتداء على ( مرأب السنك) ليلا، وبتلك الحالة والطريقة الاستفزازية يقترب كثيرا من هذه التسمية، التي تؤكد بوضوح على وجود حالة انتقام، معدة مسبقا، وهي ناتجة عن خسارة، ذات تأثير سلبي، تدفع بمشاعر تلك المجموعات للرد على السبب الكامن في وجودها. إنّ الفعل الذي قامت به هو ناتج عن حالة خاصة، لكن الفعل لم يذهب إلى المصدر الحقيقي، بل ذهب إلى جانب آخر، وهو في حقيقته بريء، لكنهم يرونه سببا في ذلك الذي حصل لهم. ويقف خلف هذا الفعل، وهو فعل إجرامي دون شك، العديد من العوامل منها:
1 ــ الشعور بالاهانة 
2 ــ ضعف الوجود الاجتماعي
3 ــ الشعور بالمنبوذية
وهذه العوامل تظهر نتيجة لطغيان (هذا الألم الذي يحرّك نزعة تطورت لدى الإنسان منذ قديم الزمان للتهجّم على الآخرين ردا على التهديدات وعلى التعرض للأذى).
 
عنف ... لذة 
منذ انطلاق علم النفس تبيّن لنا أنّ العلاقة التفاعلية القائمة بين العنف واللذة هي علاقة تبادلية تنتمي إلى كل التاريخ البشري. فالإنسان، طبقا للتحليلات العلمية، التي تؤكد أنّه يشعر براحة كبرى حين يقوم بتفريغ شحنات الغضب عبر ممارسة العنف ضد الآخرين، هو يمتلك لذة خاصة عند ممارسة هذا الفعل الشنيع. وهذا ينطبق ويمكن ملاحظته في مجريات حدث الوثبة (مقتل الفتى وتعليقه). وهنا نشير إلى حالة غرائبية وهي (التمتع) بمشاهدة الموت وتصويره كمادة للذكرى، يمكن استعادتها فيما بعد وكأنّها واحدة من البطولات أو حالات الفخر والاعتزاز. وهذا حقل تفصيلي من جانب السلوكيات العدوانيةللإنسان.
هنا يمكن أن نستخلص أنّ الإنسان (لا يجد في العنف لذة فحسب، بل أنه يسعى للانتقام لكي يستشعر هذه اللذة، وهي تظهر القدرة على تنظيم العواطف). إنّ هذا يتبيّن واضحا مع ما يمارسه الفرد (وحتى المجموعات) المنبوذة  جماهيريا، كما أنه ينطبق على أغلب الشخصيات التي تتداولها وسائل الاتصال الجماهيري كمرشحين لرئاسة مجلس الوزراء، وما رافقها من تصريحات عدائيّة تدفعهم لتفريغ شحنات العنف الكامنة في دواخلهم. وقد تتطور هذه الحالة لتتخذ شكل الإدمان على ممارسة العنف، ويكون مثلها كمثل الحاجة إلى الغذاء والهواء.
 
السلطة .. الهيمنة
أمام ما تقدم يمهّد بجلاء إلى تفاقم حالة خاصة يشعرون بها متجلية بما يسمى حب السيطرة والهيمنة على كل شيء، وأنهم أكثر قوة من الطرف الآخر. وطبقا للمفهوم السياسي، فإنهم، خاصة حينما يكونون في أعلى هرم السلطة، لا يفكرون اطلاقا بالتخلي للآخرين عما كسبوه، كما يظهر في التصريحات العلنية والسرية للساسة في بيان آرائهم وتصوراتهم لمستقبل البلاد. وهذا العنف يكمن واضحا، لكن بصورة أخرى، وهي غير دموية في ظاهرها، لكنها تشترك في استخدام العنف، متجسّدا في المناقشات التي تدور في البرلمان، ومحاولة الوقوف ضد كل ما هو يعمل على تغيير الخارطة السياسية الفاشلة والالتفاف على كل ما هو جديد يعمل على إحداث تحول في النظم السياسية والقوانين الدستورية، وكل ما هو يطمح إلى شكل جديد بعيدا عن الهيمنة والتسلط.