التبنِّي ... حلٌّ لمشكلة عدم الإنجاب

اسرة ومجتمع 2018/11/30
...

يونس جلوب العرّاف
 
لم يجد حسن ناصر طريقا إلّا وسلكه من أجل الحصول على طفل او طفلة على الرغم من مراجعته للعديد من الأطباء، فضلا عن إجرائه لعملية كلّفته مبالغ باهظة، لكن جميع محاولاته ذهبت أدراج الرياح ما جعل عملية تبني طفل هي الحل الوسط والوحيد لمشكلة عدم الإنجاب التي يعاني منها، وهو ليس الوحيد الذي يعاني من هذه المشكلة حيث تبقى قصّة حسن واحدة من قصص كثيرة تعيشها عائلات عراقية تحاول تبنّي الأطفال .
 
طلبات كثيرة
المواطن محسن جويد وهو من المحرومين من نعمة الاطفال يقول: لقد ذهبت الى دائرة ذوي الاحتياجات الخاصة التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، فقالوا لي: إنّ الدائرة تستقبل يومياً طلبات كثيرة لعوائل ترغب بتبنّي الاطفال من دور الدولة، وان اجراءات ضمّ الطفل إلى العائلة تكون بيد المحاكم، فقلت لهم: إنّني مستعد لهذا الامر.
واضاف: ان الدائرة أكدت أنّ الطفل الذي يُضم الى عائلة يجب ان يكون مجهول النسب، أو فاقد الأب والأمّ، على أن يتنازل أقاربه عنه وأن ثمّة شروطاً في العائلة المتبنّية، منها أن تتمتع بالسمعة الطيبة، وأن يبدي أفرادها الرغبة بضمّ الطفل، والأهمّ أن يكون مستواهم المادي جيداً، لكي يعيش الصغير بمستوى أقرانه من الاطفال في العائلات الاخرى، فضلا عن ان يكون الزوج والزوجة عراقيي الجنسيّة، فقلت لهم: إنّني موافق، وقد قمت بتبنّي أحد الاطفال .
وتابع: كلّ شخص قام بتبنّي طفل، لا بدَّ أنّه سأل نفسه هذا السؤال: هل سأحبّ الطفل المتبنّى مثلما أحبّ طفلي؟، ولكن هذه الشكوك سرعان ما تزول بمجرد أن يتسلّم الطفل، وفجأة يتحوّل كلّ الحبّ لهذا الطفل، ويتساءل مرة أخرى، كيف شكّك في هذا الأمر.
وتابع: لقد وضعت أمامنا العديد من العراقيل قبل تحقيق هذا الحلم لكنّه أصبح حقيقة.
 
نجاح كبير
يقول الباحث الاجتماعي أكرم عبد اللطيف: إنّ حالة عدم الإنجاب أصبحت معروفة وتكاد تكون ظاهرة؛ لذلك ترى الشباب يحاولون الحصول على طفل من خلال اتباع الطرق الطبيّة المتعارف عليها، إذ من الصعب ألّا يكون لديك أطفال في الحياة. 
واضاف: أنّ بعض العائلات تقوم برمي الأطفال في المستشفيات أو على قارعة الطريق او مكبّات النفايات كطريقة للتخلّص من تحمّل مسؤولياتهم، فيتعرّض هؤلاء إلى البيع، فيما تقوم عائلات أخرى برعاية الاطفال الذين يعثرون عليهم، بعدما تقدّم على تزوير شهادات ميلادهم، من دون الرجوع الى القضاء وذلك من مفارقات الحياة. 
وأشار الى أن تبنّي الأطفال اليتامى والفقراء من قبل العائلات أثبت نجاحاً كبيرًا لاسيما أنّ هؤلاء الأطفال انقطعت بهم سبل العيش نتيجة لفقدانهم الآباء والأمهات، في ظروف أمنيّة شابها القتل
 والتهجير.
 
رأي القضاء
يقول القاضي حيدر جليل البيراوي رئيس محكمة أحداث بغداد المختصّة بنظر قضايا التبنّي والكفالة لليتامى وكريمي النّسب (اللقطاء): إنّه من الممكن ضمّ الأيتام كريمي النّسب من دور الأيتام بعد ان يقوم الزوجان بتقديم طلب رسمي الى المحكمة المختصّة بالمحافظة، شرط أن يكون الزوجان عراقيي الجنسيّة ومعروفين بحسن السيرة والسلوك وعاقلين سالمين من الأمراض المعدية وقادرين على تربية وإعالة الصغير.
وبيَّنَ أنّ أعداد طالبي التبنّي والحاصلين على قرار بضمّ الطفل كريم النسب، تفوق أعداد الأطفال اليتامى من كريمي النسب في دور الأيتام في بغداد.
أمّا بالنسبة للطفل اليتيم معروف النّسب فإنّ الشريعة الإسلامية حرّمت تبنيه، وجاء القانون العراقي وفقا للشريعة، فلم يعطِ حقَّ التبنّي وتسجيله باسم طالبي التبنّي إلّا لليتيم كريم النسب، حيث كفل القانون حقّ الضمّ لليتيم المعروف النسب، بحسب القاضي.
وعن كفالة اليتيم يرى البيراوي أنّ القانون العراقي منح حقّ كفالة اليتيم معروف النسب، وحدّدها برعايته وإعالته وتربيته دون إلحاقه بنسب الكفيل، مشيرا إلى أنّ المحكمة تحدد الكفيل وفقا للمفاضلة بين مقدمي طلبات الكفالة والأنسب لليتيم.
وخلص الى أنّ القانون العراقي منح حقّ التبنّي وإلحاقه بنسب الأسرة إلى اليتيم مجهول النسب فقط، فاذا كان اليتيم معروف نسبه فلا يمكن تبنيه وتغيير نسبه ومنحه حقّ كفالته بالرعاية والتربية، لافتا الى إمكانية إضافة فقرات للقانون من قبل المشرّع العراقي تحدد فيها الشروط الواجب توفرها في طالبي التبنّي.
 
شروط ضمّ الأطفال
أكدت مدير عام دائرة ذوي الاحتياجات الخاصة التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية عبير مهدي الجلبي آليّة ضمّ الاطفال “كريمي النسب” الى العوائل العراقيّة.
وذكرت الجلبي أنّ من الشروط ان يكون الزوجان عراقيين مسلمين، وليس لديهما أطفال بعد أن تثبت التقارير الطبيّة عجز أحدهما عن الإنجاب، وان تمضي على زواجهما خمس سنوات او أكثر.
واوضحت أنّ “هناك العديد من الإجراءات التي يجب القيام بها لضم الأطفال، فعلى الزوجين أن يتقدما بطلب مشترك إلى محكمة الاحداث لضم صغير “كريم النسب”، وعلى محكمة الاحداث قبل أن تصدر قرارها بالضم أن تتحقق من أن طالبي الضم عراقيان ومعروفان بحسن السيرة، وعاقلان وسالمان من الأمراض المعدية وقادران على إعالة الصغير وتربيته، وان يتوفر فيهما حسن النية، بعد ذلك تصدر محكمة الأحداث قرارها بالضم بصفة مؤقتة ولمدة تجريبيّة أمدها ستة أشهر بإشراف ومتابعة المحكمة للتحقق من رغبتهما في ضم الصغير ومن رعايتهما له، ولا يسمح للعائلة السفر خارج البلد خلال هذه المدّة.
ولفتت الى أنّه إذا عدل الزوجان أو أحدهما عن رغبته في ضم الصغير خلال مدّة التجربة، أو تبيّن لمحكمة الاحداث أن مصلحة الصغير غير متحقّقة في ذلك، فعليها إلغاء قرارها بالضم، وإذا وجدت المحكمة أن مصلحة الصغير متحققة برغبة الزوجين الأكيدة في ضمه إليهما، تصدر المحكمة قرارها بالضم وليس التبنّي، ليصبح الطفل ضمن مسؤولية الأسرة.
واضافت أنّ دائرة ذوي الاحتياجات الخاصة هي جهة تنفيذيّة توجد فيها سجلات تضمّ أسماء طالبي الضم، وان اختيار العوائل كلّ زوج وزوجة تقريبا يشعرون برغبة قوية في الحصول على أطفال أو ثمرة لهذا الزواج، لكن الكثير منهم لا يوفقون إمّا لمرض ما أو لإصابة أحدهما بالعقم، وبالرغم من أن الاختيار الأول والأخير في البقاء في هذه العلاقة يعود للطرفين، إلّا أنّ الحياة يجب أن لا تنتهي عند مشكلة عدم الإنجاب. فهناك أطفال كثر بحاجة إلى الحب والرعاية، وهم بحاجة لعائلة تضمّهم، وتعتبرهم أبناءها. تقول الحكمة القديمة “الأبوّة ليست فقط في إنجاب الأطفال ولكن في رعايتهم وتربيتهم”، ولعلَّ هذه الحكمة ستساعدكما على تخطّي مشكلة عدم الإنجاب والتفكير جديّاً بالتبنّي.