العاثيات البكتيرية.. فيروسات «صديقة» تفيد صحة الإنسان

من القضاء 2020/02/03
...

ترجمة: عادل العامل
 
 
 
بالرغم من أن الدور الذي تقوم به الفيروسات «الجيدة» في صحة الإنسان لايزال غامضاً نسبياً، فإننا نتعرف ببطءٍ على أهمية زوّارنا الفيروسيين هؤلاء. ونقدّم هنا، في مقالنا هذا، قطّاعاً مهمَلاً من الكائنات الميكروبية ــ وهو الفيروم virome للتعرف عليه وعلى دوره المفيد في صحة الإنسان، كما يقول تيم نيومان كاتب المقال.
إن الدور الذي تقوم به البكتيريا والميكروبيَوم microbiome في الصحة والمرض يتصدر اليوم البحث الطبي. 
وأمامنا طريق طويل للوصول إلى إجابة على الأسئلة الكثيرة التي تطرحها المكتشفات الحديثة، لكن الثابت الآن هو أنه بدون أسطولنا الشخصي من الكائنات المجهرية “الصديقة” ــ أي الميكروبيوم الذي لدينا ــ فإننا لا يمكن أن ننمو صحياً.
وعلى كل حال، فإن علم الطب لا يجلس على فروعه متفرجاً، فعيونه مثبّتة دائماً على الأفق، جاهداً لوصف الأشياء المخفية في البعيد. وإذ نكافح اليوم لفك التفاعلات المعقدة بين البكتيريا والصحة، فإن التحدي القادم ينتظر في الأجنحة: أي دور الفيروم.
 
فما هو الفيروم، يا تُرى؟
حين نسمع كلمة “ميكروبيوم”، نفكر فوراً بالبكتيريا، لكن الميكروبيوم، تقنياً، هي كمية كل ما هناك من كائنات حية مجهرية في بيئة خاصة. وبعض العلماء يستخدمون المصطلح للإشارة إلى كمية المادة الجينية لهذه الكائنات المجهرية. وهكذا، وإلى جانب البكتيريا، فإن الميكروبيوم يتضمن أبضاً فيروسات (الفيروم) وفطريات (لميكروبيوم)، بين زوار آخرين. وحتى الآن، فإن العلماء قد أعاروا القليل من الاهتمام نسبياً للفيروم والميكروبيوم. 
وقد اتخذت الفيروسات موطناً لها في جملة من المواضع البيئوية في جسم الإنسان، وخاصةً على السطوح المخاطية، مثل بواطن الأنف والفم وبطانة الأحشاء. 
وتُعدّ الفيروسات، بالطبع، الأكثر شهرة في التسبب بالأمراض، مثل داء الكلب، والجدري، والتهاب الكبد، والأيدز. وبسبب الحالة المرتبطة بالمرض الفيروسي، أخذ هذا الجانب حصة الأسد من وقت الباحثين.
 
العاثيات البكتيرية
يعتبر العلماء الفيروم “الجزء الأكبر، والأكثر تنوعاً وديناميكيةً من الميكروبيوم”، وغالبية الفيروسات في أحشائنا هي ما يُعرف بالعاثيات البكتيرية bacteriophages. وحيثما توجد هناك بكتيريا، توجد عاثيات بكتيرية بغزارة. (وتوفر أمعاء الإنسان لها وسطاً معيشياً مناسباً ، وتقوم هي بحماية الإنسان من بكتيريا ضارة إن أصابت أمعاءه).
وكما يوضح باحثون آخرون، “فإن العاثيات phages هي أشكال الحياة الأكثر وفرةً على الأرض، حيث توجد فعلياً في كل مكان. .. ويمكن أن تحتوي بعض مصادر الماء العذب ما يصل إلى عشرة بلايين منها في المليمتر الواحد من اللتر.” وتصيب هذه العاثيات البكتيريا، وتصادر آليتها الخلوية، وتستخدمها لتكرار مادتها الجينية. 
ومن الواضح كثيراً الآن أن بكتيريا الأحشاء المعوية تؤثر في الصحة والمرض، ولهذا فليس من المدهش أن الفيروسات التي تصيب البكتيريا المعوية يمكن أن يكون لها تأثير مهم، أيضاً.
 
المعالجة بالعاثيات
وقد بحث العلماء، من عشرينيات القرن العشرين إلى خمسينياته، في ما إذا كان بالإمكان استخدام العاثيات لمعالجة الالتهابات البكتيرية. فهذه الفيروسات، بعد كل شيء، ماهرة في تدمير الكائنات المجهرية التي تسبب المرض للإنسان. وقد وجد العلماء أن العلاج بالعاثيات فعّال، وخالٍ من التأثيرات الجانبية، وهو المهم.
وكان العلاج بالعاثيات، حين اكتُشفت المضادات الحيوية، قد توارى في الخلفية. حيث أن المضادات الحيوية يمكن تصنيعها بسهولة نسبية، ووُجد أنها تقتل طيفاً واسعاً من الأنواع البكتيرية. وعلى كل حال، فإن الاهتمام بالعلاج بالعاثيات، مع قدرات التكنولوجيا العالية اليوم وتراجع مقاومة المضادات، يمكن أن ينبعث مجدداً. وأحد العوامل الذي يجعل العلاج بالعاثيات جذّاباً هو نوعيته الخاصة. فغالباً ما تدمّر المضادات الحيوية طيفاً واسعاً من الأنواع البكتيرية. والآن ونحن نعرف أن البكتريا “الجيدة” تعيش في الأحشاء، فإن من الواضح، على كل حال، أن ذلك ليس بالأمر المثالي. فالعاثيات، في غضون ذلك، لا تستهدف إلا مجالاً ضيقاً من المشكلات ضمن الأنواع البكتيرية نفسها.
اضافة الى أنها لا تتكرر إلا إذ كانت البكتيريا المستهدَفة في المجال المحلي. وهذا يعني أنها لا تهاجم إلا البكتيريا المطلوب مهاجمتها، وتستمر في التكرر حتى تكون قد أزالت الالتهاب.
 
أصحاب مدى الحياة 
لقد التحقت العاثيات برحلة الانسان في مرحلة مبكرة. وقد تناولت بالفحص إحدى الدراسات الميكونيوم meconium أو العِقْي ــ وهو أول براز يخرج من رضيع الثدييات ومنها الإنسان ــ فلم تجد أي دليل للفيروسات. وعلى كل حال، فبعد أسبوع واحد فقط من ولادة الطفل، احتوى كل غرام من براز الطفل على نحو 100 مليون جُسيم فيروسي، كان معظمه عاثيات بكتيرية. فالفيروم الذي لدينا في الواقع هو صاحب لنا طول العمر. 
وكل إنسان له اختيار متميز من هذه العاثيات، يُشار إليه بالفاجيوم phageome. والأشخاص الذين يتناولون الغذاء نفسه تقريباً، يتشاطرون تماثلات أكثر، لكن فاجيوم كل فرد يتنوع بشدة، عموماً.
عن / Medium