الكتابُ الذي يوضحُ لنا كيفيةً النجاةِ من الفيروس التاجي

ثقافة 2020/04/02
...

 أندريه سبايسر / ترجمة: جمال جمعة

أشاع انتشار فيروس Covid-19 وباء النصح. وهذا النصحُ مهمٌ، لكن يبدو مقّدراً له أن يجعل من حياتنا أشدّ تعاسةٍ وعزلة، ومع ذلك، فثمة مصدر استثنائيّ للمشورة يعرض لنا أسلوباً آخر للتعامل مع الوباء، وهذا المصدر هو: الديكاميرون. كتبَ مؤلف عصر النهضة الإيطالي جيوفاني بوكاتشيو مؤلَّفه” الديكاميرون” في أعقاب تفشي وباء الطاعون في فلورنسا في عام 1348، دمّر المرض المدينة، ما أدى إلى انخفاض عدد السكان بنحو 60 بالمائة، وصف بوكاتشيو كيف أن الفلورنسيين” كانوا يتساقطون صرعى في عرض الشارع في آناء الليل وأطراف النهار، بينما لفتت أعدادٌ عظيمةٌ من الناس الآخرين، على الرغم من موتهم في منازلهم، انتباه جيرانهم على الواقعةِ بصورةٍ أكبر من خلال رائحة جثثهم المتعفّنة».
الروابطُ الاجتماعيّة انهارت، لأن” هذه الكارثة زرعت رعباً عظيماً في قلوب الرجال والنساء حتى أن الأخوّة تخلّوا عن أخوتهم، والأعمام عن أبناء أخوانهم وأخواتهم، والأخوات عن أخوتهن”، و” رفض الآباء والأمهات رعاية أطفالهم ومساعدتهم».
بعض الناس اعتزلوا في منازلهم، بينما شكّل آخرون مجاميعَ تترنح عبر المدينة في مرح صاخب لعدة أيام، الأصدقاء العشرة الذين يتابعهم” الديكاميرون” يغادرون فلورنسا إلى فيلا مهجورة في الريف، عند وصولهم إلى ريفهم الشاعري، أخذوا يقضون أيامهم في سرد الحكايات المسلّية والمثيرة في غالب الأحيان.
اليوم، نحن ننظر إلى” الديكاميرون” بوصفها مجموعة من القصص الممتعة يحتفظ بها قرب السرير، لكن في القرن الرابع عشر، كانت شكلاً من أشكال الوصفات
الاجتماعيّة.
ووفقاً لمارتن مارافيوت من جامعة بيس، فإن روشِتّة بوكاتشيو للوباء كانت جرعة جيدة من” العلاج الوقائي السَّردي”، وهذا يعني حماية نفسك بالقصص، أشار بوكاتشيو إلى أن بإمكانك أن تنقذَ نفسَك من خلال الفرار من المدن، وتحيطَ نفسَك بصحبةٍ ممتعةٍ وتروي قصصًا مسلّية لرفع الروح المعنويّة، ومن خلال مزج العزلة الاجتماعيّة بالأنشطة اللطيفة، سيكون من الممكن البقاء على قيد الحياة في أسوأ أيام الوباء.
ألهمت وصفة بوكاتشيو مجموعةً كبيرةً من كتيّبات الاستشارة في العصور الوسطى، اقترح توماسو ديل جاربو، أحد أبرز أطباء فلورنسا في ذلك الوقت، أنه عندما يضرب الطاعون، فعلى الناس تجنّب التفكير في الموت، ونصحهم بالتجمع، بدلاً من ذلك في حديقةٍ ممتعةٍ و “استخدام الأغاني والألعاب والحكايات الممتعة الأخرى، التي لا تستنزف الجسم، وجميع تلك الأشياء المبهجة التي تجلب الراحة».
في كتاب مشورةٍ آخر عن الطاعون، أوصى العالم اللاهوتي الإيطالي نيكولاس بورجو بضرورة أن” يحذر الناس من الخوف، والغضب، والحزن، والكرب المفرط، والأفكار الثقيلة وما شابه ذلك، وبالمثل يجب على المرء أن يحرص على أن يكون مبتهجاً، وأن يكون سعيدًا، وأن يستمع إلى التهويدات والقصص والأنغام».
قد تبدو وصفة بوكاتشيو عتيقة، لم يفهم ما الذي نفعله الآن عند انتشار الأوبئة، ومع ذلك، يشير العمل الحديث في علم الأوبئة الاجتماعي إلى أن بوكاتشيو ربما يكون قد أدرك شيئًا مهمًا بشأن الأوبئة، فمن خلال حث الناس على تجنب المدينة، كان بوكاتشيو يناصر ما يسميه خبراء الصحة العامة الآن بالعزلة الاجتماعيّة.
فهم بوكاتشيو أيضًا أهميّة ما نسميه الآن” الرفاهيّة”، يمكن للحجر الصحي أن تكون له ضريبةٌ كبيرةٌ على الصحة العقلية، إحدى الدراسات وجدت أن نحو 30 بالمئة من الأشخاص الذين تم عزلهم خلال تفشي وباء السارس في تورنتو عام 2003 عانوا لاحقًا من الاكتئاب أو اضطراب توتر ما بعد الصدمة، كان ذلك بسبب الشعور بالعزلة والعار، مشاركة الحكايات يمكن أن تساعد في إبقاء المشاعر الكئيبة بعيدة عن 
الأنظار.
إيمان بوكاتشيو بالقدرة الشفائيّة للحكايات، تمَّ دعمه بعشرات الدراسات عن تأثير حكاية القصص في صحتِنا، وبمراجعة هذه الدراسات، استنتج جيمس بنبيكر من جامعة تكساس أنه” عندما يضع الناس اضطراباتِهِم العاطفية في كلمات، تتحسنُ صحتُهم البدنيّةُ والعقليةُ بشكلٍ ملحوظ”، وفي حين أن الحكاياتِ قد لا تحميك من الفيروس، إلا أنها يمكن أن تحميك من المشاعرِ السيئةِ التي تولّدها 
الأوبئة.
فهم بوكاتشيو أيضًا الدور الحاسم لما نسميه الآن الشبكاتِ الاجتماعيّةَ في أزمات الصحة العامة.
على سبيل المثال، وجدت دراسة، أجريت عام 2010 من قبل نيكولاس كريستاكيس، أن الطلاب الجامعيين الأكثر شعبية في جامعة هارفارد كانوا كذلك الأكثر عرضة للإصابة بالإنفلونزا، وعلى النقيض من ذلك، فإن الطلاب الذين لديهم روابطٌ اجتماعيةٌ ضئيلةٌ غالباً ما كانوا يتفادون الإصابة.
وهذا يشير إلى أن الشبكاتِ الاجتماعيةَ المتطورةَ يمكن أن تعرض صحتنا للخطر.
لكن شبكاتنِا الاجتماعيّة يمكن أن تساعدنا أيضًا في حالة الإصابة، ثمة دراسة أجرتها أخصائيّة علم النفس السريري” كيتي وو” عن أشخاص تم عزلهم خلال تفشي مرض السارس في هونج كونج عام 2003، توصلت فيها إلى أن الأشخاص الذين يمتلكون روابط َاجتماعيةً كثيفةً كانوا أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب واضطراب الكرب التالي للصدمة، هذا الدرس أدركه بوكاتشيو قبل أكثر من 750 عامًا: غالبًا ما يقودنا المرض إلى الابتعاد عن الآخرين، لكن في الوقت نفسه فإن الناس سيقاسون من التعاسة عند عزلهم 
تمامًا.
الغالبية منا ليس لديه فيلا ريفيةٌ ليلوذَ بها، ولكن ثمة طرقا تظل بها نصيحة بوكاتشيو ذات صلة، يذكّرنا” الديكاميرون” بأننا نحتاج إلى دعم الآخرين ليمكننا اجتياز الأزمة الصحيّة العامة.
وبدلاً من ترك أنفسنا يختطفها وباء الخوف، علينا أن نحاول إشغال أنفسنا بالمتع المشتركة مثل ممارسة الألعاب، الاستمتاع بالموسيقى والمشاركة في رواية الحكايات، هذه الأنشطة لا تحسِّن من شعورنا بالرفاهية فحسب، بل تربطنا بالآخرين أيضاً.
بعض دروس توسكانا من القرن الرابع عشر يبدو أنها قد أعيد تعلّمها في الصين في القرن الحادي والعشرين، خلال الأيام والليالي الطويلة من العزلة القسرية، عندما كانت بعض المدن الصينيّة مغلقة بسبب الفيروس التاجي، سعى السكان إلى إيجاد طرق جديدة للتواصل مع الآخرين، انبثقت نوادي الكتاب على الإنترنت ومنتديات الطبخ، أطقم الدي جي” المنسّق الموسيقي” صارت تبث مباشرة وحوّل الناس شققهم إلى نوادٍ ليلية مرتجلة، وفي المساء، كان سكان المجمعات البرجية يميلون أجسادهم خارج نوافذهم ويهتفون: “ووهان جيانيو” (تقريبًا: “واصلوا الكفاح!»).
هذه الأنشطة تذكّرنا بأهميّة الاتصال حينما نكون معزولين اجتماعياً، إنها بالتأكيد تجعل التجربة أفضل بكثير من اتّباع نموذج ذلك الرجل الوحيد الذي كان معزولاً أثناء تفشي Covid-19 في الصين، وقضى أيامه وهو يعدو في ماراثون فائق من خلال الدوران داخل شقته الصغيرة.