في بوش اختلفنا أيضاً !

آراء 2018/12/17
...

عبدالزهرة محمد الهنداوي 
 

ماتَ مؤخراً الرئيس الأميركي الأسبق المثير للجدل جورج بوش الأب، وقد تلقى الرأي العام العالمي نبأ الوفاة، بين "مترحم" و"لاعن".. وكل طرف من الطرفين له أسبابه ومبرراته "ترحماً" أو "لعناً"، ولا شك أنَّ مسارات تلك المواقف جاءت وفقاً لسياسة بوش تجاه
 المجتمع الدولي.
وقد بدت تلك المواقف المختلفة واضحة بجلاء في العراق، فبعض العراقيين لعنوا الرجل لحد قطع النفس، وآخرون دعوا له "بالرحمة والغفران والخلود في الجنان" !!. وإنْ أردنا أنْ نحلل اختلاف مواقف العراقيين وانقسامهم حول بوش الأب، فإننا لا يمكننا غض الطرف عن الظروف التي أحدقت بالعراق قبل العام 2003، وبعده، فقد زرعت تلك الظروف اختلافاً كبيراً في مواقف وآراء العراقيين إزاء مختلف القضايا، لا سيما قضايا السياسة، وقد وصل الاختلاف في بعض المواقف الى مستوى الخلاف والقطيعة أحياناً بين هذا 
وذاك.
ولعلَّ وجود مثل هذا الخلاف والاختلاف الذي يرتفع تارةً وينخفض أخرى، ناتج من التناقضات الحادة والمشاكل العويصة التي مر بها البلد.. فالذي واجهه العراقيون في زمن النظام السابق، من تقييد للحريات وظلم وتعسف وكبت للتطلعات، جعلهم يتوقون ويرغبون بتغيير واقعهم، بصرف النظر عن طبيعة التغيير، ومن ذا الذي يقوم بهذا التغيير، ولا ما هي النتائج التي سيتمخض عنها التغيير.
ولأنَّ الوضع الداخلي في البلد كان ضعيفاً جداً، وليس بإمكان القوى الداخلية إحداث عملية التغيير المنشود والتخلص من النظام القائم، وكنتيجة حتمية لتداعيات غزو العراق للكويت عام 1990، وما تلاه من حصار شديد القسوة، فقد كانت الأمور تسير باتجاه التصعيد بنحو واضح، لا سيما أنَّ النظام العراقي كان يعمد الى اسلوب التحدي والاستفزاز للمجتمع الدولي وأميركا على وجه الخصوص، الأمر الذي سهل على الإدارة الأميركية برئاسة جورج بوش الأب، حشد المواقف الدولية الداعمة لفكرة إسقاط النظام "لأنه بات يمثل تهديداً وشيكاً للمنطقة والعالم، ومع وجود استعداد الداخل العراقي لمثل هذا التوجه الذي يجد فيه خلاصه، فكان الترحيب واضحاً وبقوة، ومن هنا، فقد أسهمت كل تلك للظروف في إسقاط النظام، لينعم العراقيون لأول مرة بالحرية والديمقراطية، معتقدين أنَّ الأمور ستمضي الى خير، وأنهم سيصبحون بين عشية وأخرى مثل السويسريين!!.. وإنَّ كل هذا النعيم ما كان له أن يعمَّ لولا العم بوش!! فهو الذي قاد العالم في شن الحرب على العراق وإسقاط نظام صدام لتعم الحرية والديمقراطية!.. ولكن من جانب آخر كانت ثمة قوى متضررة من التغيير، بدأت تحركها من أجل التأثير في الوضع الجديد بوسائل متعددة (مسلحة، إعلاميَّة،
 سياسيَّة).
ومع مرور السنوات ونتيجة للتردي الذي شهده العراق في جميع المجالات بعد العام ٢٠٠٣ ، لأسباب كثيرة ، من بينها سوء الادارة السياسية ، تكالب الارهاب العالمي ، الفوضى السياسية ، تدخلات القوى الخارجية ، استمرار وجود القوات المحتلة في البلاد ، تداخل مفهوم الارهاب والمقاومة في بعض المواقف والزوايا ، .. كل ذلك جعل الكثير من العراقيين يتحدثون بلغة اخرى ،وينظرون الى الواقع الجديد ، نظرة سلبية 
متشائمة .
فبعضهم يحمّل صداما ونظامه كل هذا التردي نتيجة سياساته وحروبه العبثية وانصرافه الى عسكرة المجتمع ، وإهمال التنمية .. فيما يحمل اخرون "جورج بوش" الاب وإدارته ، ما آل اليه الحال في البلاد ، فهو في النهاية لا يقل تهورا عن غريمه صدام ، مع وجود طبقة مستفيدة من التغيير .. كل تلك المعطيات جعلت من مواقف العراقيين متباينة ازاء موت الاب جورج بوش ..ولكن واقعا ، وبصرف النظر عن اسباب التغيير ، ومَن قام به ، فان الثابت ان النسبة الاكبر من العراقيين كانوا مرحبين بما حدث ، ولكن المشكلة تكمن في مآلات الاحداث ، فما شهدته البلاد على مدى عقد ونصف من الزمان لم يكن منطقيا ، اضطراب وفوضى وفساد وإرهاب ، مع وجود حرب اعلامية هائلة وتدخلات خارجية مرعبة ، قطعا ان ظروفا مثل هذه ستؤثر سلبا على مدارك وتفكير المجتمع وتحوله إلى مجتمع سلبي متشائم لا يثق بشئ ، لذلك فإننا بحاجة إلى عملية تصحيح حقيقية لتلك الانحرافات التي شابت مراحل تأسيس العملية السياسية في العراق ، ولسنا معنيون ببوش ، أساء أم احسن ، في الجنة كان ، ام في الدرك 
الاسفل من النار !!