الدول العربية تواجه انتشار فيروس {كورونا}

العراق 2020/04/24
...

*فهيمة تشن يويه يانغ
 منذ ظهور الحالة الأولى للإصابة بفيروس كورونا بالإمارات في 29 كانون الثاني، فإن أكثر من 21 دولة عربية تتابع فيها انتشار الفيروس، وبينما عدا دولة جزر القمر، فقد انتشر الفيروس في جميع الدول العربية، ويصل عدد حالات الإصابة المؤكدة بالفيروس بالدول العربية إلى أكثر من 37 ألف حالة، ويبلغ عدد الإصابات بالمملكة العربية السعودية وحدها نحو 8274 حالة، محققة بذلك أعلى عدد من الإصابات بين الدول العربية، وتأتي الامارات وقطر بعدها في المركزين الثاني والثالث، لذا فإن الفيروس حاليا لا يزال في فترة ذروة انتشاره في العالم العربي، كما ظهرت العديد من بؤر الانتشار بأنحاء الوطن العربي المختلفة.  
يعد الوطن العربي حلقة الاتصال يبن آسيا وافريقيا وأوروبا، وتتميز الدول العربية بكثرة عدد سكانها وبأن ظروف كل دولة مختلفة عن الأخرى، فمنها دول تتميز بالثراء وهي الدول المنتجة للنفط مثل السعودية والامارات والكويت، ومنها دول تعاني من اندلاع الحروب الطويلة الأمد وبها عدد كبير من اللاجئين الذين بلا مأوى، مثل ليبيا وفلسطين، ومنها دول ما زالت تتعرض للعقوبات الصارمة من قبل الدول الغربية مثل سوريا واليمن، وفي ظل انتشار الفيروس تأزمت الأمور أكثر بسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط واستمرار الصراعات في بعض الدول، فلا يوجد أي مؤشر لرفع العقوبات المفروضة على بعض الدول، كما ان هناك الكثير من اللاجئين يعيشون بمناطق مُهملة في بعض الدول، ويواجهون خطر الإصابة بكورونا، ومن الواضح أن الدول العربية تعاني من صعوبات عديدة منها انتشار فيروس كورونا و العقوبات واللاجئون إلخ، وبالرغم من أن جميع الدول قد تصدت بفاعلية لانتشار الفيروس، إلا أن ذلك لم يحد من انتشاره. 
حتى 19 نيسان كان عدد حالات الإصابة المؤكدة هو37439، وعدد الوفيات هو1071، وعدد حالات الشفاء هو 7680، ونسبة الشفاء هي 5,20 ٪ ، وأعلى نسب شفاء بين الدول العربية هي الأردن و العراق و البحرين، ومعدل الوفيات هو 2, 86 ٪، وهو معدل يقل عما أعلنته  منظمة الصحة العالم، من 3,4 ٪ . 
إن انتشار الفيروس في جميع الدول هو اختبار صعب لقدرة الدولة على ادارة نظامها الصحي ومواردها الطبية، وقد واجهت الدول العربية الأمر بسرعة، واتخذت إجراءات احترازية شاملة ومرنة وحكيمة، فقد أعلنت حاليًا كل من فلسطين وليبيا حالة الطوارئ، كما أعلنت لبنان والسودان والجزائر والمغرب حالة الطوارئ الصحية، ولقد فرضت معظم الحكومات حظر التجوال طبقًا لأحوال انتشار الفيروس وخصوصا أن مكة المكرمة والمدينة المنورة قد أعلنتا نظام حظر التجوال الكامل على مدار الأربع والعشرين ساعة.
فضلا عن ذلك فإن كثيرا من الدول، قد شكلت لجنة عليا لمقاومة انتشار الفيروس، و كان لها دور في تهيئة الموارد الطبية وحماية صحة المواطنين، ووقف انتشار عدوى الفيروس، وقد جمع وتبرع المسؤولون والمدنيون الكثير من الموارد الطبية، فضلا عن بناء مراكز  للحجر الصحي للمشتبه بإصابتهم و مستشفيات مؤقتة، وتقديم قروض للشركات المتوسطة والصغيرة، وتأجيل تحصيل الضرائب و تخفيض التكاليف وسداد القروض.. إلخ حتى انتهاء الأزمة، وفتح خط ساخن لاستفسارات المواطنين، وخدمة التوصيل المجاني للأدوية، وتشغيل خدمة الدروس عبر شبكة الانترنت للمدارس والجامعات، وضمان إمداد المواطنين بالسلع الاستهلاكية الأساسية.
وقد أثر انتشار الفيروس في الكثير من الشعائر الدينية للعرب المسلمين، فقد غيَّروا بعض من عاداتهم الدينية اليومية مثل أداء الصلوات في البيوت، بدلا من المساجد، فمنذ أكثر من شهر أعلنت السعودية تعليق العمرة مؤقتًا، وقد ظهر منظر نادر لا مثيل له للحرمين الشريفين بمكة والمدينة وهما خاويان، كما أن أغلب الدول العربية قد أغلقت جميع الجوامع والمساجد.
وبعد أن حلَّ رمضان اضطرت الجهات المعنية إلى إصدار اجراءات جديدة في طريقة الاحتفال بالشهر الكريم، ففي مصر أعلنت دار الافتاء إلغاء جميع الأنشطة الجماعية الرمضانية، وإلغاء حفل استطلاع هلال شهر رمضان، وإلغاء موائد الرحمن، كما أن جمعية عجمان للأعمال الخيرية والشؤون الدينية قد أعلنت حظر الخيم الرمضانية وموائد الرحمن طوال الشهر الكريم، فضلا عن ذلك فإن وزارة الصحة العراقية قد قررت منع خروج المواطنين من منازلهم بعد الإفطار أثناء شهر رمضان.
وحتى الآن لم يتحسن وضع انتشار الفيروس في الدول العربية وفي العالم، وقد أولت المنظمات الاقليمية اهتمامًا كبيرًا لهذا الموضوع، اذ إن جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الاسلامي ومجلس التعاون لدول الخليج العربية قد أدت دورًا مهمًا في التصدي لانتشار الفيروس، وعقدت عدة اجتماعات لمناقشة وضع انتشاره بكل بلد، وعرضت كل دولة ما قامت به من تدابير للتصدي له . 
العقوبات المفروضة على بعض الدول زادت الأمر سوءًا .
تقع الدول العربية بمنطقة الشرق الأوسط وهي منطقة تتميز بتعقيد أوضاعها السياسية، وبسبب حدوث النزاعات في المنطقة، فإن مستوى البنية التحتية ومستوى التنمية لتلك البلاد متدنٍ بحدة عن متوسط المستوى العالمي ، فطبقًا لآخر تقرير "مؤشرات التنمية البشرية HDI "، الذي أصدرته الأمم المتحدة بنهاية عام 2019،  وهو مؤشر هدفه تقييم الوضع الاقتصادي والمستوى الاجتماعي  للدول الأعضاء بالأمم المتحدة، كان مؤشر الدول العربية هو 0,703، وهو دون متوسط المؤشر العالمي 0,731، ويُستثنى من ذلك دول مجلس التعاون الخليجي (GCC) التي يقع ترتيبها في مراكز متقدمة نسبيًا أما غالبية الدول العربية الأخرى فيقع ترتيبها بالمراكز الثلاثين الأخيرة ويتضمن ذلك سوريا و الصومال و اليمن و السودان و جيبوتي و جزر القمر الخ.
وحاليًا فإن النزاعات السياسية ما زالت مستمرة ببعض الدول، ففي ليبيا تستمر الاشتباكات بطرابلس، فيتقاتل الجنود وهم يرتدون الكمامات، وتلك الحرب المستمرة لم تمكن الدولة من التحكم في انتشار الفيروس، وقد زاد ذلك من أخطار العدوى، كما أن المؤسسات الصحية بتلك الدول المليئة بالنزاعات لا يحتمل ان تكون قادرة على التصدي لهذا الفيروس، كما لا تتمكن الدول ذات الأنظمة الصحية الضعيفة من التصدي له، لقد بدأت الحرب باليمن منذ ست سنوات، وأدى ذلك إلى توقف استخدام أكثر من نصف المرافق الصحية منذ اذار 2015، وأكثر من 80٪ من السكان يحتاجون إلى أنواع متعددة من المساعدات الإنسانية، وأكثر من سبعة ملايين نسمة لا يحصلون على كفايتهم الغذائية، وطبقًا للخطة الطارئة للمساعدات الانسانية لعام 2019 فإن هناك أكثر من 19 مليون وسبعمئة ألف يمني يحتاجون إلى علاج طبي، وتصل تكاليف علاجهم إلى ستة مليارات وسبعة وعشرين مليون دولار أميركي.
وفضلا عن الحروب والنزاعات فإن ما فرضته الدول الغربية وعلى رأسها أميركا من العقوبات الصارمة على بعض الدول العربية أضاف عبئًا زائدًا على أعباء مكافحة الفيروس، اذ تعاني سوريا من حرب داخلية منذ تسعة أعوام، فتلك الحروب الطويلة، إضافة إلى العقوبات التي تعرضت إليها في ما بعد قد أنهكت النظام الصحي بالكامل في جميع أنحاء البلاد، وهذا بالطبع من المستحيل أن يوقف خطر انتشار الفيروس، فعدد الحالات المؤكدة بسوريا هو 38 حالة، وعدد الوفيات حالتين، وحالات الشفاء 5 حالات، وقد طالب أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في خطابه أثناء عقد قمة القادة الاستثنائية الافتراضية لمجموعة العشرين حول جائحة فيروس كورونا بإلغاء العقوبات المفروضة على هذه الدول لمكافحة جائحة كورونا، ولكن من المؤسف أن أميركا رفضت تلك المطالبات، ولم تهتم بمطالب توفير المساعدات الإنسانية، بل استمرت في فرض الإجراءات القسرية والعقوبات لنهب سوريا وخنقها.
النقص الحاد في معدات الوقاية.
إن مشكلة اللاجئين من أهم المشكلات التي يعاني منها العالم العربي، كنتيجة للحروب والصراعات خلال الأعوام الماضية، لذا فإن هناك عشرات الملايين من اللاجئين السوريين والفلسطينيين والليبيين وغيرهم الذين بلا مأوى أو سكن،  فاللاجئون يقعون خارج الأنظمة الصحية للدول، فالحياة داخل مخيمات اللاجئين ذات ظروف معيشية صعبة وبها نقص حاد في معدات الوقاية من الإصابة بالفيروس مما يوفر بيئة ملائمة للانتشار السريع له. 
وأما في قطاع غزة بفلسطين، فالحصار ما زال مستمرًا مما يعرقل إدخال المعدات والأجهزة الطبية إلى القطاع، كما أن مستوطني تلك المخيمات قد عانوا عبر السنين من الفقر المدقع، وحاليًا فإنهم يفتقدون موارد الوقاية من الوباء، مما يجعل وضعهم في غاية الخطورة في حالة انتشار الفيروس بشكل كبير بينهم.
كما أن الحال في مخيمات اللاجئين بلبنان وسوريا لا يدعو للتفاؤل أيضًا، فقد ظهرت حالتا إصابة بالفيروس داخل مخيم اللاجئين بقرية تل الكرامة، فوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (UNRWA) طلبت من المجتمع الدولي بلتبرع للاجئين الفلسطينيين في سوريا بمبلغ أربعة عشر مليون دولار اميركي لدعمهم في مكافحة فيروس كورونا، ولقد تم جمع مبلغ لا يتعدى أربعة ملايين دولار، فمن بين ما يقرب من خمسمئة ألف لاجئ لا تتوفر لديهم موارد الحياة الأساسية، فكثير منهم يعيشون في مساكن إيواء أو مواقف سيارات من دون أثاث، ويعيشون بداخلها بكثافة سكانية عالية . 
أطراف النزاع بليبيا لم تتوقف عن إطلاق النيران حتى الآن، وطبقًا لإحصائيات منظمة الهجرة الدولية، فإن المواطنين الليبيين الذين بلا مأوى يصل عددهم إلى مئتي ألف نسمة، وهم يجتمعون بأماكن ليس بها أي تأمين صحي، وقد دُمرت الكثير من المرافق الصحية مما شكل تحديًا كبيرًا أمام ليبيا في تصديها لانتشار الفيروس.
مما سبق يتضح لنا أن حكومات الدول العربية تفعل ما في وسعها من خلال اتخاذ تدابير احترازية للوقاية من الوباء، ولكن تتشابك مشكلات انتشار الفيروس مع مسائل العقوبات واللاجئين إلى آخره من المشكلات، فعلى جميع الدول أن تتكاتف وتتعاون معًا في مواجهة الفايروس من اجل تخطي هذه المحنة .
 
*مساعد المدير التنفيذي لمركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية
باحثة بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية بالصين