مدارسنا بعد كورونا

آراء 2020/06/14
...


  د.  مزهر جاسم الساعدي
 
 المختصون في المجال التربوي يعلمون جيدا أن المديريات العامة للتربية في المحافظات العراقية، تقسم مدارسها بحسب الرقعة الجغرافية التي تقع فيها تلك المدارس، فمنها المدارس القريبة التي تكون في مراكز المدن، والمدارس البعيدة التي تقع في الأطراف، ومن ثم المدارس النائية التي تقع في القرى والأرياف، وقد تختلف طبيعة تلك المدارس وأعداد التلاميذ والطلبة فيها من محافظة إلى أخرى، فمثلا في بعض مديريات بغداد تكون معظم مدارس الأطراف مكتظة بالتلاميذ، فضلا عن بنائها القديم أو المتهالك، إن لم نقل إن العديد منها بات خارج الخدمة، والبعض الآخر قد اعتمد بشكل كلي على المدارس الكرفانية لمعالجة ظاهرة الاكتظاظ ، وقد يصاحب هذا كله في الغالب غيابٌ واضحٌ للشروط الصحية والوقائية ووسائل التهوية، وأماكن تواجد التلاميذ قبل الدخول والخروج من المدرسة وفي ساحتها، واستعمال الحمامات والمغاسل، وهذا بدوره يتطلب علاجا مختلفا تفرضه حاجات تلك المدارس لكيفية التعامل مع التلاميذ والطلبة، في مرحلة التعايش مع وجود فيروس كورونا لحين توصل العالم الى لقاح يمكن له ان يسهم في الحد من خطورته . 
إن هذا التقسيم يتبعه تقسيم آخر، يتمثل بالمستوى المعاشي والوعي البيئي والصحي لدى الأسر نفسها، ووجود التلميذ أو الطالب في تلك البيئة ومدى تأثيره أو تأثره فيها، وما يمكن أن ينقل من والى المدرسة والبيت . ومن هنا لابد من الإفادة من عامل الوقت المتاح أمام المؤسسات المختصة، والتفكير الجدي في الكيفية التي سنتعامل بها مع  مدارسنا بعد كورونا، كما هو حال معظم مدارس دول العالم، اذ كان الشغل الشاغل لتلك الدول في خضم صراعها في مواجهة الجائحة، أن تجد البدائل والحلول المدروسة لإعادة التلاميذ لمقاعدهم، ولكن على وفق المتغير الجديد وما فرضه من آليات يجب تطبيقها، لاسيما منها التباعد الاجتماعي والمحافظة على سلامة العاملين في المؤسسات التربوية بشتى طرق الوقاية، ولعل هذا كله يجري بقرارات مسؤولة من جهات مختصة تضمنها ثقل وجهد الدولة وتوفير الموارد المالية والبشرية .
ليس من الصحيح  أن نجعل إدارات المدارس وهي مغلولة اليد في مواجهة التحدي وحدها، وتحميلها التبعات كافة كما هو الحال  في مرات سابقة. وليس من الصحيح أن تعول الجهات المختصة على أولياء الأمور في إبداء المساعدة لمدارس أبنائهم وتجعلها أولوية، لاسيما مع الظرف الذي يمر به العراق حاليا، ولذلك قلت لابد من الإفادة من عامل الوقت وعدم الارتجال أو الاستعجال في قرار استئناف الدوام في المدارس، مع بقاء خطر انتشار الفيروس أو احتمال بقائه . إن العديد من دول العالم درست الوسائل الكفيلة بإعادة فتح المدارس وانتظام الدوام فيها، لكونه يمثل رسالة اطمئنان كبيرة لإعادة الحياة في المجتمع، مع الأخذ بسبل الوقاية في أقصى مدياتها .
وفي العراق قطعا سيكون الجواب التقليدي للجهات المختصة ان مواردنا لا تسمح بتقديم ما هو ممكن للمدارس، وهذا الكلام يكرر كلما اشتدت المطالبة بتغيير الواقع التربوي في أيام كانت موارد الدولة جيدة، فما بالك ونحن اليوم نتعكز على شح الموارد المالية. 
إن الاعتماد على الجهات الساندة لعمل المدارس من مؤسسات صحية وخدمية، قد يجعل إدارات المدارس في حرج كبير، إذا تعذر على تلك الجهات القيام بمهامها، ولعل هذا الأمر يبدو متوقعا في ظل الوضع الحالي ، وبناء على ما تقدم فإن دراسة الاحتياجات الخاصة للمدارس بحسب التقسيم المناطقي، ووضع الأولوية لكيفية تحسين الأداء في كل منطقة من مناطق المديريات، قد يسهمان في إشاعة الأمن الصحي عند التلاميذ وأولياء الأمور في المرحلة المقبلة . ازعم أن الخطر يكمن في التعامل مع الوضع الصحي لمدارسنا في حال عودتها بردود الأفعال، وعلينا ان نتذكر كيف يمكن لتلميذ واحد مصاب بالجدري المائي ان يغلق مدرسة كاملة، ان لم تقدم له الوسائل الوقائية السريعة، فما بالك مع فيروس يتعدى الوضع الجلدي الى مخاطر قد تودي بحياة أبنائنا وبناتنا وإعادة البؤر في المناطق المختلفة .  لقد كشفت جائحة كورونا عن المأزق الذي سيواجه القطاع التربوي، كما ستكشف عن الإهمال الذي طاله خلال المدة المنصرمة، لكن ألا يستدعي هذا أن تتحمل الدولة تصويب ما وقعت فيه من أخطاء، وإعادة الحياة الحقيقية لهذا المشروع، كي لا نواجه مآزق أخرى لا نعرف كيفية الخروج منها أو التعامل 
معها.