هل تبغي فرنسا مساعدة لبنان أم ثمة غايات أخرى؟

قضايا عربية ودولية 2020/08/17
...

ترجمة واعداد / انيس الصفار                                     
بدا وكأن “إيمانويل ماكرون” قد نسي أن لبنان لم تعد محمية فرنسية. فعندما زار الزعيم الفرنسي مدينة بيروت التي دكها الانفجار المزلزل راح يطمئن الحشود الذاهلة ويعدهم بإعادة بناء مدينتهم معلناً ان الانفجار كان طعنة نفذت الى قلب فرنسا نفسها. وقال ماكرون: “فرنسا لن تترك لبنان لمصيره، إن قلب الشعب الفرنسي لا يزال يدق مع نبض بيروت.”
شجب منتقدو ماكرون التفاتاته تلك ووصفوها بأنها موجة كولونيالية جديدة يشنها زعيم أوروبي يبغي استعادة الهيمنة على احد بلدان الشرق الأوسط المضطربة متجاهلاً المشكلات المتراكمة في بلده. بل ان احد المواقع نعته بأنه “ماكرون بونابرت”.
أما المدافعون عن ماكرون، ومنهم بعض أهالي بيروت القانطين الذين وصفوه بأنه “الأمل الوحيد”، فقد اشادوا بزيارته لاحيائهم الممزقة التي يتهيب الزعماء اللبنانيون من مجرد وضع قدم فيها، ولأنه أنب السياسيين اللبنانيين وحملهم مسؤولية الفساد وسوء الإدارة اللذين تسببا بالحادث المدمر.عود عهد الروابط الفرنسية اللبنانية الى القرن السادس عشر على الأقل، وذلك عندما تفاوض نظام الحكم الملكي الفرنسي مع الحكام العثمانيين لتوفير الحماية للمسيحيين، الى جانب تأمين نفوذهم في المنطقة. في ظل ذلك الانتداب (من 1920 الى 1946) تأسست في لبنان سلسلة من المدارس الفرنسية وطائفة من المتحدثين بالفرنسية، بالاضافة الى توثق العلاقات بين الفرنسيين وصناع القرار اللبنانيين.
ظهر على شبكة الانترنت التماس مدهش طالب فرنسا بإعادة انتدابها لأن القادة اللبنانيين أثبتوا عجزهم عن تأمين البلد وحمايته، كما ورد في الالتماس. كانت فكرة مضحكة .. حتى ماكرون نفسه قال مخاطباً اهالي بيروت بالقول: “كتابة تاريخكم رهن بكم.”الى جانب ما تنطوي عليه زيارة ماكرون من معاني الدعم الدولي يرى كثير من اللبنانيين فيها سبيلاً لتأمين الدعم المالي لبلد ارهقته الديون. كذلك نجح الزعيم الفرنسي في التوفيق بين اطراف الطبقة السياسية المنقسمة على بعضها، ولو الى حين. بيد ان هناك كثيرين غيرهم رأوا أن الزيارة تفوح منها رائحة التفضل، كما حمل البعض على الالتماس وكل من احتفى بفرنسا بوصفها “الأم الحنون”.
قال كاتب اسمه سمير فرنجية ان:ماكرون جمع السياسيين اللبنانيين مثلما يجمع “تلاميذ المدرسة” ووبخهم على اخفاقهم في اداء واجباتهم.
كانت هناك أيضاً انتقادات ملطفة بشأن استعراض النفوذ الذي مارسته فرنسا. فبينما كان ماكرون يجول بين الاحياء التي مزقها الانفجار كان وزير الصحة يتفقد المستشفيات الميدانية التي تطوعت بها إيران وروسيا وهما من اكبر اللاعبين في المنطقة.
تقول ليا، وهي طالبة هندسة في بيروت تحفظت في نشر اسمها كاملاً، انها تتفهم مدى اليأس الذي يشعر به المطالبون بالانتداب، ولكنها تعارض الأمر بقوة كما تعارض من يرون في ماكرون “مخلصاً” للبنان. تعتقد ليا أن ذلك ينطوي على خطر مفاقمة الانقسامات بين اللبنانيين، حين يحتضن المسيحيون المارونيون والمسلمون الذين تلقوا ثقافة فرنسية ماكرون بينما يميل الآخرون مبتعدين عنه. تتساءل ليا كيف سيمكن لماكرون ان يقدم النصح للبنانيين وهو عاجز عن حل مشكلات بلده وشعبه؟
في باريس حذر خصوم ماكرون السياسيون، وهم يتراوحون من اقصى اليسار الى اقصى اليمين، الزعيم الوسطي من أي زحف كولونيالي جديد عن طريق انتزاع التنازلات السياسية من لبنان لقاء ما يقدم له من مساعدات. يقول “جوليان بايو” زعيم حزب الخضر: “يجب ان يكون التضامن مع لبنان بلا قيد او شرط.”
ماكرون نفسه رفض بحزم فكرة احياء الانتداب الفرنسي حين قال: “لا يمكنكم مطالبتي بالحلول محل قادتكم، هذا غير ممكن، وليس هناك حل فرنسي.”
رغم هذا لم يفته ان يشير الى انه ينوي العودة الى لبنان للتثبت من تنفيذ الاصلاحات الموعودة، وان تلك الزيارة ستكون في الأول من أيلول، أي في الذكرى المئة لإعلان “لبنان الكبرى” وبداية حقبة الحكم الفرنسي.           
 
أنجيلا شارلتون وساره الديب/ صحيفة واشنطن بوست نقلاً عن وكالة اسوشيتد بريس