المحكمة الدولية الخاصة تصدر قرارها بقضية اغتيال الحريري

قضايا عربية ودولية 2020/08/19
...

بيروت / جبار عودة الخطاط 
 
أعلن رئيس غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان دايفيد ري أمس الثلاثاء، قرار الحكم الخاص باغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري، حيث أدانت اللبناني سليم عياش بـ «التورط بقتل واغتيال الحريري»، بينما برأت ساحة كل من «أسد صبرا، حسن عنيسي وحسن مرعي» من تهمة المشاركة في حادثة الاغتيال، وأكد كبير القضاة في المحكمة خلال عرضه لمعطيات الحكم في جلسة النطق بالحكم بقضية اغتيال ​رفيق الحريري​ في لاهاي، أن «لا دليل على مسؤولية قيادة حزب الله في اغتيال الحريري الذي كان على علاقة طيبة مع أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله».
كما أن «غرفة الدرجة الأولى استنتجت ان انتحارياً نفذ الاعتداء وهو ليس المدعو (أبو عدس) وان المتفجرات تم تحميلها في مقصورة شاحنة (ميتسوبيشي) سرقت من اليابان وبيعت في طرابلس لرجلين مجهولي الهوية».
وإن منفذي الجريمة-وفقاً للمحكمة- «استخدموا في تنفيذها حوالي طنين ونصف من متفجرات الـ tnt بعد أن أخضعت الجهات التي تقف خلف منفذي الجريمة الرئيس الحريري الى تدابير مراقبة ورصد شديدين، وقد قام شخص انتحاري بتفجير مركبة (الميتسوبيشي) على المركبة الخاصة التي كان يستقلها الرئيس الحريري ظهيرة يوم في 14 شباط 2005”.
وبين حكم المحكمة، ان “المنفذين حاولوا تضليل العدالة من خلال العبث بمسرح الجريمة ومحاولة إلصاقها بشخصيات وهمية، وأن المحكمة قد تتبعت خيوط المتهمين من خلال بيانات الاتصالات”.
 
المتهمون غيابياً
وكانت المحكمة قد اتهمت غيابياً أربعة أشخاص لبنانيين هم: سليم عياش، أسد صبرا، حسن عنيسي وحسن مرعي، بينما أسقطت المحكمة الملاحقة القانونية عن  «مصطفى بدر الدين» بعد تأكد مقتله في سوريا. 
ولم يسجل أي ظهور للمتهمين الأربعة منذ بداية المحاكمة، كما لم يتم تسجيل أي تواصل بينهم وبين المحامين الذين أوكلتهم المحكمة للدفاع، ويؤكد خبراء قانونيون أن «أي ظهور مستقبلي للمتهمين، يتيح لهم إعادة المحاكمة أو استئناف الحكم الغيابي الصادر بحقهم».
 
كلمة الحريري
رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري ونجل رفيق الحريري، قال في كلمة له بعد انتهاء جلسة النطق بالحكم التي حضرها:  «لقد جئت من أجل القصاص العادل للمجرمين، فالمحكمة حكمت ونحن باسم اسرة الرئيس رفيق الحريري قبلنا بالحكم ونطالب بتنفيذ الحكم، ونحن نطالب بأن تؤسس مسألة العدالة في قضية الحريري لمسألة جلاء الحقيقة لتفجير مرفأ بيروت، وهذا هو حق الدم الذي لا تنازل عنه، أهمية اللحظة التاريخية اليوم هي رسالة لمنفذي الجريمة والمخططين لها أن زمن استخدام الاغتيالات في لبنان انتهى ولكل جريمة قتل واغتيال ثمن ستدفعونه لا محالة».
وأضاف الحريري، «صار واضحاً ومعروفاً أن هدف اغتيال رفيق الحريري هو تغيير هوية لبنان الحضارية، وهذا لن يكون، فنحن نتحدث بوجه مكشوف بأننا لن نقبل بغير تنفيذ القصاص والعدالة ولن نستكين، وان هذا الحكم الصادر أخذ وقتاً طويلاً من معايير العدالة، وهو استجابة لمطالب اللبنانيبن من الشباب والصبايا الذين طالبوا بالحقيقة، وانحني أمام جميع الشهداء الذين استشهدوا من أجل لبنان أفضل».
وختم سعد الحريري كلامه بإرسال رسالة الى اسرة رفيق الحريري الصغيرة طالبهم فيها بالتوحد في هذه اللحظة التأريخية. 
 
ترقب وحذر
هذا وشهد الشارع اللبناني خلال بث وقائع جلسة النطق بالحكم في المحكمة الدولية؛ حالة من الترقب المشوب بالحذر خشية من تحركات يمكن أن تعكر السلم الأهلي الهش الذي تعرض للكثير من الهزات مؤخراً، بينما بدت القوى الأمنية ولاسيما الجيش اللبناني، أمس الثلاثاء، وكما لاحظت «الصباح» في أتم جهوزيتها لاحتواء أي إشكال أو إحتكاك يمكن أن يحصل في الشارع اللبناني بعد الإعلان عن الحكم المذكور، خصوصاً في المناطق المتداخلة أو تلك المحسوبة على تيار المستقبل مثل طرابلس وصيدا وعكار وسعد نايل في البقاع وطريق الجديدي في بيروت وغيرها.
في هذا السياق، أكد عضو كتلة «المستقبل» النائب ​محمد الحجار​، أن «حيثيات قرار ​المحكمة الدولية​ في قضية استشهاد رئيس الحكومة السابق ​رفيق الحريري​ تبقى ملك المحكمة نفسها»، لافتاً الىأن «زعيم تيار المستقبل الحريري لا يريد أن يكون قرار المحكمة الدولية مناسبة لجر البلد الى الفتنة، وكل ما نريده هو الحقيقة والعدالة، وهناك تعليمات لتيار المستقبل​ بعدم اصدار أي ردات فعل على الأرض»، وأضاف، «نعتقد جازمين بأن ما بعد 18 آب ليس كما قبله، وأن زمن ​الاغتيالات السياسية​ قد ولى».
 
جريمة الاغتيال
من جهة أخرى، قال الرئيس اللبناني ميشال عون في تصريحات لصحيفة «كورييري ديلا سيرا»: «لقد أثّرت جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري كثيراً في حياة اللبنانيين ومسار الأحداث في لبنان، وعلينا تقبّل ما يصدر عن المحكمة الدولية، ولو انّ العدالة المتأخرة ليست بعدالة». وأضاف، «في حرب 2006، كان من واجبي أن أقف الى جانب حزب الله لأنني لبناني، قد نختلف معه في الأمور الداخلية، ولكن عندما تهاجم إسرائيل إرضاً لبنانية وتقتل لبنانيين، فعلى كل مواطن لبناني أن يكون ضدّ المعتدين».
بينما أشار رئيس ​حزب التوحيد​ الوزير السابق ​وئام وهاب​ في تصريح له عبر ​وسائل التواصل الاجتماعي​، الى انه «لم يتغير رأينا بالمحكمة الدولية​ منذ اليوم الأول، فقد بدأت بتزوير الضباط الأربعة وتنتهي اليوم بالمتهمين الأربعة»، ورأى بأنها «محكمة تحت الطلب، نقلتها ​واشنطن​ من اتهام ​سوريا​ إلى اتهام ​المقاومة​ حسب الحاجة السياسية».
 
مسرح الجريمة
الى ذلك أشار مكتب رئيس ​تيار المردة​ النائب السابق ​سليمان فرنجية​ في بيان الى أنه «خلافا لما ورد على لسان السيد ​جيفري فيلتمان​ حول ضرورة ​تحقيق​ شفاف في جريمة المرفأ ليس كما جرى حسب زعمه في خلال التحقيق في جريمة اغتيال رئيس ​الحكومة​ الراحل ​رفيق الحريري،​ حيث حاول وزير الداخلية آنذاك سليمان فرنجية ودائما حسب زعمه العبث بمسرح الجريمة عبر طمر الحفرة التي خلفها الانفجار، فإن كلام السيد فيلتمان عار عن ​الصحة​ وغير صحيح بالمطلق، لا بل الصحيح أن الوزير فرنجية هو الذي حافظ على مسرح الجريمة خلافا لإرادة بعض المسؤولين آنذاك، وقد تم اثبات هذه الواقعة في التحقيق الدولي، لذا كان من الاجدى بالسيد فيلتمان التأكد من معلوماته وتنشيط ذاكرته قبل اطلاق التهم جزافا، محتفظين بحقوقنا كافة».
وعما إذا كانت ستحصل ردود فعل في الشارع في أعقاب صدور الحكم بقضية اغتيال الرئيس ​رفيق الحريري​، لفت رئيس الحكومة اللبنانية الاسبق نجيب ميقاتي إلى انه «بإذن الله لن يحصل شيء، والرئيس سعد الحريري بالتأكيد سيكون في كلمته واعيا لهذا الموضوع، هناك قضية ستصدر فيها الحقيقة، وبالتأكيد لا تقع المسؤولية على طائفة بأكملها، بل على أشخاص متهمين، وأعتقد أن هذا ما سيقوله الرئيس سعد الحريري».
وعما اذا كان يؤيد إجراء تحقيق دولي في تفجير ​مرفأ بيروت​، أشار ميقاتي إلى أنه «مع الحقيقة والحق، وأن نعرف ماذا حصل، كلي ثقة بمجلس القضاء الأعلى​، ولكن من خلال تجربتي الشخصية أقول أن لا ثقة لي بالقضاء، فكيف بقضية على هذا المستوى من الخطورة التي يحصل فيها تدخل سياسي». 
 
نفي سعودي
هذا وكانت صحيفة «البلاد البحرينية» قد نقلت تصريحاً مثيراً نسبته للسفير السعودي في ​لبنان​ ​وليد البخاري، بقوله: أنه «يجب أن يعتبر الفرقاء السياسيون في لبنان إصدار حكم ​المحكمة الدولية​ في قضية اغتيال الشهيد ​رفيق الحريري​ فرصة ذهبية متاحة لإقصاء ​(حزب الله​) من المشهد السياسي اللبناني»، وعلى أثر ذلك سارعت السفارة السعودية في بيروت الى نفي ما جاء بهذا التصريح مؤكدة في بيان لها:
إنه «إشارة إلى الخبر المنشور في أحد الصحف والمنسوب لسفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد بخاري بشأن المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الشهيد رفيق الحريري، تود السفارة أن توضح أن هذا الخبر عار عن الصحة، وأن السفير لم يتحدث للصحيفة التي لم تسعفها المهنية وأخلاقيات الصحافة في التدقيق بصحة الخبر قبل نشره، والمتمعن بمحتوى الخبر المفبرك سيفهم المغزى من نشره وأن المقصود فيه التشكيك بعدالة المحكمة الدولية، كما أن السفارة تحتفظ بحقها القانوني في هذا الشأن».
أما النائب شامل روكز، فأكد أن «العدالة حق وليست مجرد مطلب، والاساس أن تكون مبنية على صدق الوقائع والحقائق بعيداً عن أي اعتبار أو هدف آخر، وهدف العدالة محاكمة المجرمين وردع الجريمة وارساء الاستقرار في المجتمع؛ لا التحريض لتكون شرارة فتنة، ولا الاستغلال بغية استحضار الماضي وآلامه، فالشعب اللبناني عانى الأمرين على مدى عقود، نتمنى تهدئة النفوس بدل التشنيج والتحريض إن في بعض الخطابات أو التصرفات، ولتكن الحقيقة سيف العدالة».