مجلس الأمن الدولي .. صراع الإرادات

قضايا عربية ودولية 2020/08/23
...

محمد صالح صدقيان 
تحركت الولايات المتحدة يوم الخميس الماضي لإعادة فرض كل عقوبات الأمم المتحدة على إيران استنادا على آلية « سناب بك « او آلية الزناد بدعوى انتهاكها للاتفاق النووي الذي أبرمته مع القوى العالمية في عام 2015 حتى رغم انسحاب واشنطن منه قبل عامين. 
الخطوة جاءت بعد فشل الادارة الاميركية تمرير مسودة قرار لتمديد الحظر التسليحي على ايران في مجلس الامن الدولي الذي استند على القرار 2231 الصادر عن مجلس الامن الدولي في 20 يوليو تموز من العام 2015 .
الموقف الايراني كان واضحا عندما رفض هذه الخطوة واعتبرها مناقضة للقرار 2231 لاعتبار ان الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاق النووي ولايحق لها ان تستند على هذا القرار باعتبارها « دولة مشاركة «  اضافة الى ان جميع قرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي فوضها القرار 2231 لمراقبة الانشطة النووية الايرانية والصادرة منذ تموز 2015 لحد الان اقرت ان ايران ملتزمة بتنفيذ الاتفاق على الرغم من وجود بعض الانتقادات للاجراءات الايرانية التي سببها الانسحاب الاميركي من الاتفاق النووي ، لكن هذه الاجراءات لم تعد « خرقا اساسيا « للاتفاق حسب هذه الوكالة . 
الان ، ليس مهما من سيفوز في هذه المواجهة الدولية في مجلس الامن الدولي . الارادة الاميركية ام الارادة الدولية ، خصوصا بعد اصطفاف الدول الاوروبية بعيدا عن الارادة الاميركية في تفسير القرار 2231 واعتبار الخطوة الاميركية الداعية لتنفيذ آلية « سناب بك « خطوة غير قانونية ، لكن الامر الخطير المقلق يتعلق بآلية « استغلال « مجلس الامن الدولي باعتباره المؤسسة الرئيسة في النظام الدولي التي انيطت به مسؤولية ترسيخ الامن والسلم الدوليين والحفاظ على  استقرار العلاقات الدولية . 
الاصطفاف داخل مجلس الامن الدولي وتحديدا بين الدول الدائمة العضوية يشكل سابقة في تاريخ هذه المؤسسة الدولية . ربما شهد المجلس المذكور مثل هذا الاصطفاف في قضايا متعددة منذ تأسيسه لحد الان لكنه كان يُحل عبر آلية المشاورات وتبادل المصالح ، وفي نهاية المطاف عبر « حق النقض « الذي يحكم قواعد اللعبة ، لكن المشكلة الحالية تتجاوز كل هذه القواعد لتؤسس لمرحلة جديدة ، مرحلة ما بعد الحرب الباردة والانفراد الاحادي للقوة الدولية المهيمنة وفق منهج بدأت ملامحه بالظهور خصوصا في عهد الرئيس الاميركي دونالد ترامب . 
مستشار الامن القومي الاميركي المعزول جون بولتون قال الاسبوع الماضي: ان الرئيس ترامب ربما يقدم على الانسحاب من حلف شمال الاطلسي الناتو قبل الانتخابات الاميركية بعدما انسحب من منظمة الصحة العالمية وهدد بالانسحاب من منظمة التجارة العالمية وقبلها انسحب من منظمة حقوق الانسان ومنظمة المناخ  ما يؤشر على تبلور هذه « الجائحة « التي تريد الانفراد بالقرار الدولي من دون قيود من منظمة الامم المتحدة واطرها القانونية .  في العام 2001 وخلال دخوله المعركة ضد الارهاب ، قال الرئيس الاميركي الجمهوري السابق جورج بوش الابن « سوف نعمل مع مجلس الامن الدولي من اجل اصدار القرارات الضرورية « و « سوف نتحرك بصورة منفردة اذا ما فشلت الامم المتحدة في التعاون مع الرغبات الاميركية « . 
ان الادارة الاميركية تعمل على تفعيل وتهميش واقصاء المنظمة الدولية لصالح ستراتيجيتها العالمية ، والاكثر من ذلك تقوم بتهميش القرار الدولي لحساب القرار الاميركي على اعتبار ان القيم الاميركية هي قيم عالمية بحد ذاتها وهذا هو منطق الهيمنة العالمية . 
في السابق سكت المجتمع الدولي وهو يراقب هذه القيم او - كحد اقل – قبل بالامر الواقع ، لكن هذا المجتمع لايريد سيادة الفوضى في وقت تتنمر العديد من القوى المحلية لتجد لها مكانا في النظام الدولي الجديد بعد انتهاء مرحلة الحرب الباردة .  القيم الاميركية الجديدة تقوم على مفاهيم منها جعل الحرب العسكرية او الاقتصادية او الامنية شيئا يبرر نفسه ، وبالتالي تجد له مشروعية ، وان سياسة الامر الواقع هي التي تقوم ببناء القانون . من هنا تأتي عملية تهميش القانون بشكل عام في اطار ما يمكن ان نسمية – كما يذكر بعض المفكرين الاوروبيين – بالدولة  «الداعرة « اي التي لا تلزم نفسها باي شيء ولا تعتبر نفسها ملزمة بشيء .
هذه المفاهيم والقيم هي ذاتها التي دعت ذات يوم وزيرة الخارجية الاميركية السابقة كونداليسا رايس من القول ان « الامم المتحدة هي ذاتها الولايات المتحدة وما تقوله الولايات المتحدة فهذا يعني الامم المتحدة « .
ان المعارضة للنهج الاميركي من قبل الاوروبيين ومعهم روسيا والصين وحتى بقية اعضاء المجتمع الدولي الذين مثلتهم الدول الاعضاء غير الدائمة في مجلس الامن الدولي ، مرده عدم الرغبة برؤية الفوضى تسود هذا المجتمع او القبول بالامر الواقع بعدما يجدوا انفسهم في نفق مظلم خال من ضوء في آخره .