مُعلّم حسب مزاج الطلبة .. الشبكة العنكبوتيَّة منصات تعليميَّة لا حصر لها

ريبورتاج 2020/09/18
...

  ذوالفقار يوسف
تعلمنا في مدارسنا أنْ نكون سريعين، منتهزين للفرص، فلكل شيء مرة واحدة، الدرس، كلمات المعلم، وقت الحصة، حتى عندما ينتهي المدرس من شرح مادة ما ويمسح السبورة لينتقل الى الدرس الآخر، وقد يأخذ منا نقل ما فيها وقتاً كان لا بد من الاستفادة منه للتعلم بصورة أفضل، لذلك السريع منا هو ذو الأهمية، وهو حاتم الطائي في كرمه لإعارة ما كتب، عندما لم نستطع اللحاق لكتابته، فالدرس في النهاية غير قابل للإعادة والتكرار.
لم يظهر هذا الضيف عند تفشي مرض كورونا، بل كان متاحاً منذ العام 2000، حل وقد عشقه الكبير والصغير، ماردٌ يحقق أمنياتهم، وتحت أمرهم في كل الأوقات بمئات الطرق والتفسيرات، يتيح لك كل ما تطلبه بلا تردد، وبكبسة زر واحدة منه يُنفذ ما تريد، انه الانترنت.
 
فوائد الوباء
داوم بعض الطلبة على الانشغال بالألعاب والبرامج وتصفح المواقع الالكترونيَّة، ما جعل البعض منهم يترك الدروس والواجبات المدرسيَّة، لكن الآن اختلف الأمر، فلهذه الأداة جانبٌ آخر، يستطيع ذوو الشأن استغلالها في تقليل نسبة الكسل عند الطلبة، إذ تعدُّ نقطة وصل من أهميتها جذب الطلبة واهتمامهم بدروسهم، بعد أنْ كانت السبب الرئيس في مستوياتهم السيئة.
محمود نزار (22 عاماً) كان أحد هؤلاء الطلبة، يقول والد محمود عن هذا الأمر: "لقد كان ابني أحد المزاجيين الذين ما انْ تقربوا للكتاب المقرر في المناهج الدراسيَّة إلا وكان في يديه كالجمرة المشتعلة، وأحياناً يغلبه النعاس كلما تصفح إحدى صفحات الكتاب بعد أنْ أجبره توجيهنا المستمر لضرورة المطالعة، وبالرغم من عدم معرفتنا مسبقاً بكمية الدروس التي تعطى من خلال مقاطع مرئيَّة في الشبكة العنكبوتيَّة، إلا أنَّ ما لفت أنظارنا لهذه المقاطع التعليميَّة هو تفشي جائحة كورونا، وتوجه وزارة التربية والتعليم العالي الى التعليم المدمج، إذ جعلته هذه الوسيلة التي تمزج المتعة لما في يديه طول الوقت مع تعلمه للدروس بطرقٍ متنوعة ومتفرعة وبأكثر من طريقة".
 
بالإعادة إفادة
عندما يتغلب الوقت على كل شيء، لا يوجد هناك من هو قادرٌ على الرجوع فيه، فهذا الأمر بيد الله فقط، وهذه معاناتنا عند عدم اللحاق بالوقت وإكمال مهماتنا، وينطبق هذا الأمر على تدويننا للدروس التي يكتبها الأستاذ على السبورة، ويا للأسف إنْ دق جرس نهاية الدرس ونحن لم نكمل كتابة كل شيء مدون، من هذه المعاناة أوضح لنا طالب السادس الثانوي هشام سالم (19 عاماً) ويقول: «لقد كنت بطيئاً جداً في التدوين إلا أنَّ ذلك لا يعني أنَّ من هو أسرع مني يستطيع اللحاق وكتابة ما هو مكتوب على السبورة، فوقت الدرس محصورٌ ما بين نقل المكتوب والتركيز في الدرس وفهمه، إلا عندما عرفت الانترنت ومواقعه المتعددة، صرت المتحكم في الدرس، فلم تمسح السبورة إنْ لم أمرها بذلك، وأنا الملك الذي يأمر مجموعة من المدرسين كلما أردت إعادة الدرس، وجرس الفرصة لم يدق إنْ لم أقل له ذلك».
 
الراسب الخجول
كثيرون كانوا ضحايا التردد، فالحياة فيها فرصٌ لا تأتي إلا مرة واحدة، ومن تردد وخجل كان من الخاسرين، إلا أنَّ هناك ميزة أخرى للانترنت جعلت الفرص متاحة لانتهازها كل ما أردنا ذلك، ومن ضمن هذا التردد هو الخجل من سؤال المدرس، الخوف والتردد الذي يصاحب بعض الطلبة إنْ لم يكونوا قد فهموا الدرس، سلوان العاني (26 عاماً) حدثنا بخجلٍ كعادته ليقول: "كنت أخشى السؤال إنْ لم أفهم الدرس، أو حتى أطلب إعادة ما لم أفهمه، إنها معركة بين اللسان والعقل ولا يستطيع كلاهما التوحد في القرار، لهذا خسرت بسبب خجلي وضحكات زملائي، إلا أنَّ توفر وسيلة الانترنت جعلني واثقاً من نفسي بالرغم من هذا التردد والخجل، هذه الأداة التي تجعلك تفعل كل شيء تريده بخصوصيَّة تامة، أنْ تسأل وأنت تعرف بأنك لست مراقباً من زملائك، أعطتنا القدرة لسؤال ما لا نفهمه بطريقة مباشرة، وأنْ يكون ذلك الحبل الذي يربطنا مع المدرس بلا حواجز ولا تعقيدات، وبنقرة زر واحدة خالية من الخوف ستفهم ما تريد أنْ تفهمه".
 
مساواة
قد تجد في بعض الأحيان هناك تفضيلاً لأحد الطلبة على غيرهم في الصف ذاته، وخصوصاً مع وجود الدروس الخصوصيَّة، فجذب الطلبة هو من أولويات من يفتتح صفاً خارجياً للتدريس الخصوصي، ويا لحظه من دخل هذه الدروس عند المدرس نفسه، سيكون ذلك المفضل لديه لا محالة، زيد الحمداني (22 عاماً) الذي لم يتوفر لديه المال للدخول في هذه الحصص يحدثنا بألم ويقول: "لقد كان الأمر قاسياً، فبالإضافة الى طريقة التدريس الخصوصي الجيد، والتي تختلف على الدروس في المدارس الحكومية، هناك تفضيل طالب على آخر، إلا أنَّ الانترنت قد كسر هذه القاعدة، لكونه أوجد المساواة بين الطلبة، فضلاً عن القرارات الحكوميَّة في غلق معاهد الدروس الخصوصيَّة والالتزام بالتباعد الاجتماعي، جعل من منصات التعليم واجهة للتواصل الحر بين الطالب والمدرس، وأصبح جميع الطلبة سواسية في حق التعليم، فالمدرس ملزمٌ أنْ يجيب على تساؤلاتهم وطلباتهم من دون تفضيل أحدٍ على آخر، لينتهي بذلك عصر التفرقة ويبدأ آخر بالمساواة".
 
تقليل التكلفة
إنَّ إحدى الصعوبات التي تواجه الطلبة هي كيفيَّة الوصول لطلب العلم، والوسائل التي تسهل ذلك، فتكلفة النقل وشراء المراجع والملابس والقرطاسيَّة، هي من أولويات شروط الالتحاق بالمدارس والجامعات، فضلاً عن التكاليف المترتبة على الحكومة في توفير جوٍ مناسب، وملاك تدريسي لتعليم الطلبة في كل موسم دراسي، إلا أن الأمر اختلف الآن، فقد أنهت الشبكة العنكبوتيَّة والمنصات التعليميَّة هذه المعاناة، الدكتور ناصر كاظم تدريسي في إحدى الجامعات يحدثنا من هذا الجانب ويقول: «إنَّ التعلم الالكتروني كمستحدث الكتروني، بيئة فعالة قد أثبتت فعاليتها بتحسين التعليم وتسهيله، فهي مصممة مسبقاً، وميسرة لأي فرد وفي كل زمان ومكان، إلا أنَّ هناك طرقاً مثل (المودل) فقد أثبتت فشلها بسبب خاصية الكتاب المفتوح، ما يجعل الطلبة متساوين في التقييم، لكنَّ طرق (الكلاس روم والزوم)، أصبحت فعالة مع وجود الهواتف الذكيَّة التي جعلت من الطالب يطالع أي شيء يريده وهو في كل مكان بكبسة زر واحدة، بسرعة وأداء ودقة، فضلاً عن السهولة للتفاعل معها، علاوة على تقليل الكلف المترتبة على جميع الجهات المعنيَّة بذلك، ليجعل من هذه المهمة سهلة التحقق، إذ تجد الطلبة وقد أتقنوا ذلك من دون تخطيط أو نظام وبرامج توعية بهذا الجانب، وتقبلوا هذه الوسيلة بسهولة ورضا».
 
أساليب جديدة
لم تكن هذه نهاية خصائص التعلم عن طريق الانترنت، فالتنوع في الأساليب هو إحدى مزاياه، إذ يرافق التعليم تعدد الخيارات المتاحة، في طريقة التدريس المتنوعة للمادة عينها، وإضافة مميزات تعطي للدرس أساليب جديدة في التعلم، مثل إضافة الصور والمقاطع المرئيَّة التي تسهل عملية الشرح، عكس ما هو موجودٌ في الصفوف المدرسيَّة في الواقع، فمدارسنا تخلو من الأدوات التعليميَّة المتطورة، مثل الشاشات والحواسيب وغيرها من الوسائل التي تقرب الطلبة من الدرس وفهمه، علي نصير (21 عاماً) يؤكد لنا أنَّ "تنوع المقاطع المرئيَّة للدروس يكون حسب الطلب، فقد تجد أحد المدرسين يشرح المادة ويدمج مع الدرس كيفيَّة تحضير العناصر الكيميائيَّة، وآخر وقد ركبَّ عروضاً توضيحيَّة في منتصف المقطع لعتلة وقام بتحريكها ليظهر للطالب هذه الظاهرة الفيزيائيَّة، وهذا ما يجعلني أفهم الدرس بصورة سهلة وممتعة تخلو من الملل".
 
نهاية الأعباء
يشكو العديد من المدرسين من عدم توفر الوقت مع وجود عددٍ كبيرٍ من الطلبة، فمن واجبات المدرس، والامتحانات وتقييم الأداء يجعل من المدرس أمام كمٍ هائلٍ من الأعباء الإداريَّة، إلا أنَّ ظهور التواصل عن طريق الانترنت حدَّ من هذه الظاهرة، الأستاذ منجد جبار يردف قائلاً بهذا الجانب: «لقد تقلص العمل لدي أكثر من 70 % واختفت بعض الواجبات والأعمال الإداريَّة التي كانت تأخذ من وقت التدريس لفعلها، وتقليل حجم العمل في المدرسة، إذ إنَّ بالإمكان الآن إرسال التقييمات بواسطة ملفات الكترونيَّة بصورة سهلة جداً، وهذا الأمر جعلني أتوجه للتعليم فقط وإيصال الدرس بصورة أفضل، لذلك فإنَّ هذه الوسيلة هي فرصة للنهوض بواقع التعليم في البلد، ولا بدَّ من استغلالها بصورة جيدة».
الأمية الكترونيَّة
إن غياب المعارف والتعامل مع الأجهزة الالكترونيَّة وعدم القدرة على مواكبة التطور التكنولوجي كان واضحاً في البلد، وبحسب إحصائيات منظمة «اليونسكو» فلا تتجاوز نسبة مستخدمي الشبكة الإلكترونية الدولية في العالم 
العربي الـ 2 %، علماً أنَّ هذه النسبة تختلف بين دولة وأخرى، ما يجعلنا في عمق الأمية الالكترونيَّة، وهذه النسبة بدأت بالتلاشي بسبب استخدام الشبكة العنكبوتيَّة في التعليم، وأجبر العديد من المواطنين على تعلم كيفيَّة استخدامها والاستفادة من ميزاتها، أحمد 
ناجي أحد التقنيين في مجال الحاسوب يوجه نداءً الى الجهات المعنية ويقول: «لا بدَّ من تفعيل 
البرامج التربويَّة والتعليميَّة التي من مهماتها تثقيف المواطن بألف باء الالكترونيات والانترنت وخصوصاً للطلبة، وعمل الدراسات والتخطيط لتوفير الأجهزة وخدمة انترنت واطئة الكلفة ليتوفر في كل منزل، واستحداث دورات مجانيَّة لتعليم اللغة الانكليزيَّة لأنها لغة الانترنت والحاسوب الأولى».