الناس صنفان

آراء 2019/01/08
...

نوزاد حسن
  اعترف: ليس مزاجي سليما, فانا لست اقل من هاملت قلقا.ولست اقل من الرصافي انفعالا حين هاجم الملك فيصل الاول ببيتين شعريين قاسيين لم يضمهما في ديوانه بل ذكرهما الجواهري في مذكراته.
نعم انا ابن هذه السياسة الغامضة التي انتهى اسبوعها الماضي بحريق في دار رعاية حكومي اثار لغطا وكلاما كثيرا عن سبب الحريق ومقتل ست فتيات ونجاة واحدة، وفاجأني حادث آخر ليلة الاثنين الماضي بتلف 4000 مزرعة تلفا جزئيا و250 مزرعة اخرى تلفا كليا.هذه التشكيلة من الحوادث لا تترك لعقلي خيارا الا ان يظل يبحث دون نتيجة عن لحظة هدوء واحدة.وهكذا كان الرصافي الذي عاش وكأنه غريب عن هذه 
الارض.
  سأقول انني اتمتع بكآبة وطنية غامضة.فكل ما يقع امامي يزيد من انزعاجي.على عكس الكثيرين الذين يسمعون ما اسمع لكنهم يضحكون بقهقهات عالية.
  الحزن السياسي علامة على ان الانسان لن يخترع او يحصل على بلد غير بلده.وهذا الحزن عميق جدا ولا يمكن شفاؤه.ولعله هو الصحة الحقيقية الموجودة في هذه الايام.
  اذا شعرت بتفاؤل بسيط لانني شاهدت رئيس الوزراء يأمر برفع الحواجز الكونكريتية من بغداد.لكنه تفاؤل قصير العمر لانني اطمح ان ارى بغداد غير بغداد الحالية.
  واذا شاهدت تعثر اكمال الكابينة الوزارية فهذا ما يجعلني غريبا حتى عن نفسي.لن اكون فردا طبيعيا في حال رأيت كل هذه الاخطاء تحيط بي.ولن ابالغ لو قلت ان عصبيتنا الدائمة تعود الى السياسة نفسها.السياسة اكبر صانع للعقول السليمة او العقول الكئيبة.وكل ما عشناه منذ عقود كان درسا في الفشل الذي ترك عقولنا تتحول الى مرايا عاكسة لظلال الواقع الصعب 
المعقد.
  اظن ان هناك تفاوتا كبيرا بين الناس فيما يخص العاطفة الوطنية.المشكلة السياسية الكبرى التي تحاصرنا هي ان البعض لم يجربوا الاحساس بالبلد ابدا,في حين ان هناك من يشعرون بانهم يذوبون شوقا اليه في كل لحظة.
    ان التفاوت الطبيعي يكمن في الاحساس بين شخص يستمع الى مشكلة تشكيل الحكومة من بعيد وكأن الامر يخص شعبا اخر وبين شخص يحس بأنَّ هذا التأخر يضغط على اعصابه.ويحيره كثيرا الى درجة ان هذا الشخص يضع رأسه على الوسادة وهو يفكر بالمجتمع من حوله.واحيانا يصاب بأرق لان حدثا من الاحداث صدمه فحرمه من الراحة.لذا انا اعتقد ان الناس صنفان صنف ينظر الى مشاكل السياسة بلا مبالاة لانها لا تعنيه, وشخص اخر يشعر بانه مسؤول طوال الوقت عن كل شيء. 
الصنف الثاني يظلون يعيشون بنزاهة مقلقة ويحلمون بمجيء حاكم شعبي مزاجه قريب من امزجة الصنف الثاني الذي يحمل عاطفته الوطنية كنوع من الايمان الذي يبعده عن الفساد.
  اذن الصنف الثاني مشغول بوجدانه الوطني وتصبح كل المغريات مجرد كذبة امام روحه الناعمة.