البنتاغون وطبيعة الصراع الإقليمي المرتقب

آراء 2019/01/10
...

ندى سالم
كانت للزيارة التي قام بها دونالد ترامب للعراق العديد من ردود الأفعال على الأصعدة كافة اذ عدت بمثابة انطلاقة جديدة لتشكيل حلقة الصراع الاقليمي وتفعيل للعمليات العسكرية التي تقودها واشنطن انطلاقا من نقاط ارتكاز تحمل مضمون  اعادة صياغة طبيعة العمليات العسكرية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، فقد أراد دونالد ترامب من خلال زيارته ان يعلن عن حالة حرب مرتقبة، اذ ان الأعراف الدبلوماسية تقول عند زيارة رئيس دولة ما الى دولة أخرى من دون علم الدولة المضيفة تعد بمثابة اعلان حالة صراع او حرب محتملة، ولكن الى اين تتجه هذه الحرب ؟
 على الرغم من اشارته بان طبيعة العمليات التي تقودها القوات الأميركية  مستمرة بمحاربة التنظيم المتشدد داعش، منطلقة من الأراضي العراقية بعد اعلان عملية الانسحاب التدريجي للقوات الأميركية من الأراضي السورية بحسب تصريحات وسائل الاعلام الدولية والعربية.
ولكن في حديث اخر يشير الى احتمالية بقاء القوات العسكرية الأميركية ضمن الأراضي السورية وخاصة في المناطق المتنازع عليها ما بين المنطقة الحدودية العراقية – السورية أي مع فصائل قوات سورية الديمقراطية المدعومة من واشنطن على الرغم من التنسيق المشترك مع الجانب التركي . وقد أشار دونالد ترامب في حديث الىسحب القوات الأميركية من المناطق السورية المتنازع عليها بالإشارة الى ان عملية الانسحاب العسكري الأميركي سوف تستغرق وقتا، اذ لايمكن الإسراع بعملية الانسحاب تلك لان هذه العملية يمكن ان تترك فراغا يصب في صالح ايران (الفصائل العسكرية المسلحة في سورية) ، يمكن ان تستغلها الى جانب عملياتها في سورية هذا من جهة. ومن جهة أخرى أشار دونالد ترامب الى ان تنظيم داعش قد اختفى تقريبا وقال أيضا " لقد هزمنا تنظيم داعش في سورية ) وذلك بتاريخ 19/كانون الاول /2018 ، في إشارة منه على نجاح القوات الأميركية في قيادة العمليات التي أوكلت اليها وقد حققت  ما متفق عليه من اهداف. بطبيعة الحال ان تحول العمليات العسكرية وانتقالها الى الأراضي العراقية بعد اعلان واشنطن انسحابها من المواقع السورية التي كانت متمركزة بها يحمل ابعادا جديدة يمكن ان تنقل  مجرى الصراعات  الإقليمية في الفترة المقبلة وخاصة تجاه كلا من تركيا وايران . اذ ان المسألة لا تتعلق بانسحاب الجنود الاميركيين من أي منطقة من مناطق الشرق الأوسط بل بمدى حماية تواجدها العسكري في تلك المناطق ذات الاهمية الجيوستراتيجية، ومدى التزامها بالمنطقة وامنها ، على الرغم من إشارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في بداية توليه منصب الإدارة الأميركية الى انه لن يخوض أي حرب خارجية .
وهو ما كرره واكد عليه اثناء زيارته لمناطق مختلفة في دول الشرق الأوسط وكذلك اثناء زيارته الأخيرة الى الجنود الاميركيين في العراق وقال في حديث سابق " اذا كانت الدول معرضة للصراعات او معنية بها فعليها ان تتعامل مع ذلك الامر بنفسها "، في اشارة الى إعطاء دور جديد لقواته المسلحة واسطولها السادس والمنتشرة على مقربة من أهدافها الحيوية في الشرق الأوسط. اذ  ان هنالك دلالة واضحة بان نمط العمليات العسكرية سوف يكون مغايرا جدا على ما سبقه او هو إعادة احياء العمليات العسكرية التي قادتها واشنطن في حرب الخليج الثانية والتي كانت تحت رعاية الدول الداعمة للحرب ( بلدان مجلس التعاون الخليجي) ، والتي تحملت اعباءها المالية .
ولكن اليوم بإمكان الولايات المتحدة ان تستخدم القوات العسكرية التابعة والى اي دولة كانت بها لقيادة العمليات العسكرية القادمة مع أي جهة كانت بحجة محاربة الإرهاب والقضاء على الفصائل المسلحة التي تختلف معها بدلا من قيادة العمليات العسكرية بنفسها وتحملها الأعباء المالية الباهظة وكذلك خسارة قواتها العسكرية وتحمل أعباء نفقاتهم ناهيك عن انجراف العمليات العسكرية المرتقبة الى حرب عصابات او استنزاف لا يمكن ايقافها او وضع سقف زمني على انتهائها . وهو ما أشار اليه العديد من صناع القرار في الإدارة الأميركية وعلى حد قولهم " لقد بدا النزاع وفقا لتوقيت وشروط حددها غيرنا لكنه سينتهي بالطريقة والساعة التي نختارها نحن" ، إضافة الى ما سوف تحمله طبيعة تلك العمليات سواء من ناحية القوات المشاركة بها او نوعية الأسلحة المستخدمة.اما بالنسبة للأطراف الإقليمية التي تقود العمليات العسكرية في الأراضي السورية وخاصة ايران وتركيا فان الاتفاق المبرم ما بين واشنطن وتركيا يحمل العديد من التساؤلات اولها ما الذي تعنيه واشنطن من إعطاء مهمة العمليات العسكرية في شرق الفرات الى تركيا بعد الدعم المستمر الذي قدمته ومستمرة في تقديمه الى الفصائل العسكرية التابعة الى واشنطن من الأحزاب الكردية وبعد ان استمرت لسنوات عديدة منذ اندلاع الازمة السورية وهي تعمل على تمويلهم لتثبيت مواقع تواجدهم هذا من جهة .  ومن جهة أخرى مراقبة المناطق الحدودية بعد نزول القطعات العسكرية التركية وعبورها المناطق الحدودية باتجاه الأراضي السورية في منطقة منبج السورية، هل يمكن اعتبار ذلك فرصة الى تركيا لاعطائها دورا واضحا في طبيعة التشكيل الجيوستراتيجي الجديد لسورية ام انه يحمل ابعاد يمكن ان تتخذها واشنطن لرسم معالم جديدة للخارطة السورية الجديدة يمكن ان تصب في صالح الاكراد في سورية والعراق بعد ان اتخذت القوات العسكرية الأميركية مناطق تواجد حيوية يمكن من خلالها تشكيل الخارطة الجديدة.
اما بالنسبة الى ايران فبعد استمرار تدخلها في الأراضي السورية وتمويل الفصائل العسكرية التابعة لها رات واشنطن وبعد فرض العقوبات الدولية عليها بان طبيعة ذلك التواجد بدا واستمر في اثارة القلق المستمر لها فهل بإمكان الزيارة الأخيرة ان تحقق ما تطمح اليه واشنطن هو الحد من التدخل الإيراني واستمرار نفوذه المتصاعد في الأراضي السورية وكذلك في حلقة الصراع السياسي في العراق. اذا ما طبيعة تلك الأوضاع التي سوف تتعامل معها واشنطن في تشكيل حلقة التوازن الإقليمي بعد ان تداخلت تلك القوى الإقليمية على منطقة نفوذ واحدة والتقت في الأراضي السورية  والتي من المحتمل ان تنتهي في الأراضي العراقية.