كنت اتحدث مع زميل لبناني عن متاعب المهنة وتطورات الاحداث وحساسية الأوضاع في منطقة الشرق الاوسط . كان متشائما . لم يكن يعتقد ان العام 2019 سيكون افضل من العام الذي سبقه، بل ان تشاؤمه الذي اعتاد عليه جعله يذهب الى ان العام الجديد سوف لا يحمل الجديد على صعيد تحسن الأوضاع في المنطقة لجهة تقاطع المصالح للأطراف المعنية بهذه المنطقة .
وفي حقيقة الامر ربما ان الامر لم يمكن افضل مما لمسته عند زميلنا، ازمات متكررة، مصالح متقاطعة، اوضاع اقتصادية صعبة، رمال متحركة ومخاطر متجددة . لاتوجد بوادر لرؤية منطقة آمنة تعاد لها الأمن والاستقرار . كما لاتوجد مؤشرات على امكانية جلوس المتنافسين في الاقليم على طاولة مستديرة للاتفاق على الحد الادنى من المصالح لتجنيب" خلق الله" الساكنين في هذه المعمورة مخاطر السياسة والامن والاقتصاد.
كنا قد استبشرنا خيرا عندما قتل زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن، وظننا ان هذا التنظيم قد انتهى الى غير رجعة، لكننا وجدنا انفسنا امام تنظيم من نوع اخر وهو" داعش" قادته شخصيات محلية واقليمية غير بعيدة عن التنظيم الام، الآن يقولون ان داعش قد انتهى عندما تم القضاء عليه في العراق ويراد القضاء عليه في سوريا وهو مابرر به الرئيس الاميركي دونالد ترامب انسحاب القوات الاميركية من سوريا، بعض المسؤولين الاميركيين المعنيين باوضاع المنطقة يقولون بانه تم" احتواء داعش" وهذا يعني ليس" القضاء عليه" وهو ما يجعلنا حذرين من الحديث عن المستقبل وعن عام جديد خال من المنغصات الامنية والسياسية .
منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقا في العام 2019 سوف لا تكون هادئة، هكذا يقول السياسيون والضالعون بخفايا مطابخ القرار .في لبنان، وضع اقتصادي صعب خصوصا اذا لم تتشكل حكومة قادرة على وضع برنامج اقتصادي يستطيع ان ينقذ او يبعد لبنان من الوقوع في سلسة من المشاكل الاقتصادية وما يرافقها من مشاكل سياسية وامنية واجتماعية .
في سوريا، ثمة ديناميكيتان تستحقان المتابعة. الأولى هي الاحتكاك بين إيران وروسيا، الذي سيكون خفياً في شكل أساسي، إنما يمكن أن يتّخذ أشكالاً مهلكة،والثانية هي الاندفاعة نحو مواجهة بين إيران وإسرائيل في جنوب سورية، والتي ستكون لها تشعّبات إقليمية.
اما في الخليج، فان الاوضاع سترتبط بالمسار السياسي لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وقدرته على الإفلات من الارتدادات التي أحدثتها قضية خاشقجي. وسوف يُحدّد ذلك قدرته على خلافة والده على العرش، والخطوات التي سيتّخذها باتجاه النزاع أو التسوية في المنطقة.
وفي فلسطين، بدا واضحا غياب المنهج الذي تتفق علية جميع الفصائل والتنظيمات،الامر الذي يؤشر الى وجود ازمة بعدما اضحت اسرائيل صاحبة اليد الطولى في توسيع المستوطنات وتهويد مدينة القدس الشريف في ظل الحماية الاميركية التي توفرها الحكومة الاميركية، غياب الستراتيجية، وتقدم القادة في السن وتدهور المؤسسات ربما تشكل العوامل المهمة امام صياغة برنامج ناجع للوقوف امام الغطرسة الاسرائيلية واستمرارها في حصار الشعب الفسطيني .
في ليبيا، ما زالت فرص المصالحة ضئيلة في ظل غموض تطور الاحداث، وفيما اذا كان المؤتمر الوطني والانتخابات المقرر عقدهما سيشكلان اساسا للوحدة وتجاوز المرحلة الانتقالية التي تسبب الانقسامات في البلاد . وليس بعيدا عن الشمال الافريقي، ثمة قلق من التحديات الامنية والاقتصادية في منطقة المغرب الغربي . اذ لا تزال مسألة الجهاديين العائدين مدعاة لهذا القلق ان كان في تونس او ليبيا او مصر . اما الجزائر فانها ستخطف الاضواء بسبب استعدادها لاجراء الانتخابات الرئاسية وما ترافقها من تحديات اقتصادية وامنية وسياسية . في اليمن، على الرغم من ايجابية نتائج مباحثات استوكهولم، الا ان الشكوك
لا تزال في محلها على خلفية نوايا الاطراف الخارجية في التاثير في مسار الحوار اليمني اليمني الذي يجب ان يسود المرحلة المقبلة للتوصل الى نتائج تنهي حالات القتل والدمار الذي شهده اليمن طوال السنوات الاربعة الماضية .
وعودة الى منطقة الشرق الاوسط فان الملف الاكثر حساسية يبقى الملف الايراني وتداعياته الامنية والسياسية والاقتصادية، الذي تقول عنه الادارة الاميركية بانها تريد تصعيد المواجهة الاقتصادية والامنية لارغام طهران الخضوع لشروطها وهو ما ترفضه العاصمة الايرانية بعدما قررت الاستعداد لهذه المواجهة .
اما العراق الذي تعمدت ان اضعه في نهاية المطاف فهو يعيش في ظل هذه المنطقة المتأزمة، وفي ظل تقاطع المصالح للاطراف المؤثرة فيه داخليا وخارجيا فانه"الحلقة الاضعف" في هذه الخارطة . استحقاقان مهمان يواجهان المشهد العراقي،الاول انه خارج للتو من معركة كبيرة ضد الارهاب وهذا الاستحقاق له تبعات وانعكاسات داخلية وخارجية، فيما الثاني يرتبط بالحكومة الجديدة ودخول احزاب وتكتلات مشاركة في الحشد الشعبي مجلس النواب، ناهيك عن مدى قدرة الحكومة العراقية الحالية استيعاب الحشد الشعبي في القوات المسلحة ووضع الألية القانونية المناسبة لارضاء جميع الاطراف الداخلية والخارجية .