الإعلاميَّة في الدستور العراقي لعام 2005

آراء 2020/10/17
...

  محمد الشحتور
الإعلامية احد معايير علم لغة النص، وتعني دراسة المعلومات الجديدة والمتنوعة في النص، فكلَّما بعد توقع ورود المألوف والمعتاد ارتفع مستوى الكفاءة الإعلامية؛ أي مستواها ودرجتها في النص، وتتعلق بالمضمون والشكل، وحكم المتلقي عليهما من حيث جدتهما وتوقعهما، فهي ترتبط بمدى معرفة المتلقي بالعالم الخارجي، وتتنوع مراتبها تبعًا لدرجة توقعه لمعلومات النص، ومدى الأهمية التي تقدمِّها له بالنسبة لنص بالغ الخطورة كالنص الدستوري (النص والخطاب والإجراء: ديبوجراند، في اللسانيات العربية المعاصرة: سعد مصلوح).
وضعفها قد يؤدي للملل من النص ورفضه، وقوتها قد تفوق فهم المتلقي  فتتعرض استمرارية الاتصال للخطر، والأمر نسبي، يرجع للمتلقي ومدى استيعابه (علم لغة النص النظرية والتطبيق: عزة شبل).
والنص الدستوري نصٌّ جديد في الأعمِّ الأغلب؛ إذ لا يُنتَج إلَّا في أزمان متباعدة، تتخللها تغييرات غاية في الأهمية بالنسبة للدولة والشعب، فما هو إلَّا مظهر من مظاهر هذا التغيير، يُعبَّر به عن فلسفة النظام الجديد ورؤيته للدولة المزمع ترسيخها، فلا بدَّ من أن يحتوي على جديد مفاجئ من المعلومات والأحكام، أما الشكل فغالبًا ما يكون نفسه، وهذا ما يُفتَرض في الدستور العراقي الحالي.  
وتنقسم الكفاءة الإعلاميَّة – تبعًا لتنوع مراتبها - الى ثلاث 
مراتب:
1 - كفاءة إعلاميَّة منخفضة: حيث المحتوى المحتمَل في الهيئة المحتمَلة، فالمضمون والشكل محتَملان، ومعلومات النصِّ وأحكامه متوَقَّعة واعتيادية، لا جديد فيها، فهي غير مهمة، وقد تثير ملل المتلقي.
ويمكن أن نجد الإعلامية المنخفضة في المادة 1: «نظام الحكم جمهوري»، و 5: «السيادة للقانون»، و 11: «بغداد عاصمة جمهورية العراق»، و 19 ثانيا: «التقاضي حقٌّ للجميع» فهي نصوص لا جِدَّة فيها، ووردت في دساتير سابقة.
 لكن من الجدير بالذكر أنَّ انخفاض الإعلامية في النص الأدبي يمكن أن يقلِّل من قيمته النصيَّة المرتكزة على عناصر الإدهاش والإثارة والتشويق لجذب المتلقي. أمَّا في النص الدستوري والنص القانوني على نحو عام، فلا يعني هذا الانخفاض في الإعلامية انخفاضًا في الكفاءة اللغويَّة العامة للدستور، ذلك أنَّ المنتج (المشرّع) والمتلقي (المشرَّع له) مضطَّرَّان للالتزام بنمط خاص من الشكل والمضمون بحسب ما تقرِّره قواعد الصياغة القانونيَّة وفلسفة حكم الدولة، إذ لا يمكن الالتفات إلى غير الدقة والوضوح وما تفرضه الصياغة التشريعية من موضوعات واجبة الذِّكر كالنصوص المتقدِّمة، والمخاطَبون بها يسعون لمعرفتها؛ لأنَّها نصوص تقوم عليها شؤون حياتهم ومستقبلهم؛ فهي ليست حاجة ترفية أو مؤقتة، ممَّا قد يوجد في النصوص الأدبية 
مثلا.
2 - كفاءة إعلاميَّة متوسِّطة: المحتوى غير المحتمَل في الهيئة المحتَملة، فالمضمون جديد وغير مُتوقَّع خلافًا للشكل، ومنه النصُّ على أنَّ العراق دولة اتحادية (المادة 1)، والمادة 4/أولا التي ضمنت حق تعليم اللغات التركمانية والسريانية والأرمنية فضلا عن أن الكردية لغة رسمية، والمادة (49 رابعا) التي أكدت أن نسبة تمثيل النساء في مجلس النواب لا تقل عن الربع، وكذا النص على حق تكوين إقليم أو أكثر، وإقرار كردستان إقليمًا اتحاديًّا (المادتان 117أولا/ثانيا، و119)، ، والديباجة (مقدمة الدستور) هي الأخرى أثارت انتباه المتلقي، ، فهذه كلُّها نصوص خارج توقع المتلقي، وشكلت له مفاجأة، ما منحها الجودة والملاءمة والفعالية؛ فكانت وحدات اتصال نشطة بين المشرِّع والمشرَّع له.
3 - كفاءة إعلامية مرتفعة: حيث المحتوى غير المحتمَل في الهيئة غير المحتمَلة، فالشكل والمضمون جديدان، وخارج توقُّع المتلقي، فهما مثيران للانتباه، ومثل هذه النصوص قليلة نسبيًّا، وتتطلب اهتمامًا لفك 
غموضها.
كالنص على أن: «يلغى قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، وملحقه، عند قيام الحكومة الجديدة، باستثناء ما ورد في الفقرة (أ) من المادة (53) والمادة (58) منه المادة 142.
فهنا إعلامية مرتفعة؛ لأنها شكلت صدمة ومفاجأة للمتلقي؛ فالشكل اتجاه جديد عُد من غير المحمود في الصياغة التشريعية؛ لأن الدستور بناء متكامل، ولا يجوز إلغاؤه وإبقاء مادة أو أكثر نافذة، وكان الأفضل أن يدون النص المراد إبقاؤه في مشروع الدستور الجديد بدون هذا الاستثناء (مبادئ القانون الدستوري وتطور النظام السياسي في العراق: حميد حنون خالد).
أما من ناحية المضمون فإن المادتين المستثنيتين من الإلغاء محل جدل وغموض وخلاف بين بغداد وكردستان (الأبعاد المحلية والإقليمية للمادة 140: سعيد رشيد)
وتظل هذه المرتبة من الكفاءة الإعلامية قليلة بالنسبة للمرتبتين السابقتين، فليس من وظيفة لغة قانونية عالية كالدستور أن تثير دهشة المتلقي، أو تستثير متعته، كما هي حال لغة الأدب، إنما وظيفتها معرفية علميَّة هدفها إفهام المخاطَبين (المشرَّع لهم) أحكام ومعلومات الدستور الجديد، وعلى نحو عام حقق النص الدستوري إعلامية منخفضة ومتوسطة ومرتفعة على المستويات السياسية والثقافية والأمنية والاقتصادية على الصعيدين الداخلي 
والخارجي.