ابراهيم العبادي
تتسبب الاغتيالات السياسية بمشاكل خطيرة في كل انحاء العالم ،لكن ان تتحول جرائم غامضة او عادية الى فتنة سياسية سريعة، فتلك من عجائب العراق الفريدة، ما يعني ان النفوس تختزن استعدادا كبيرا للصراع، وان التيارات والاحزاب والفصائل ينقصها الكثير من الخبرات والمهارات والفضائل لتصبح معبرة عن وجودات سياسية تمارس العمل السياسي بعيدا عن منطق الصراع
والسلاح.
وضع العراقيون ايديهم على قلوبهم وهم يشاهدون خبرا تلفازيا يتحول في غضون ساعات الى تعبئة عامة للدخول في صراع بدأ بخطابات سياسية نارية وشعارات ضخمة يعرف مطلقوها قبل غيرهم انها عناوين لمشاريع سياسية إن تصارعت فانها ستأخذ البلاد الى هاوية سحيقة، وهي ما كادت تخرج من مشكلة حرائق البصرة وعوائق استكمال الوزارة وتنطع رفاق البعث وحنين البعض الى دولة الحزب الواحد والزعيم
الاوحد .
لقد كشفت الازمة عن غياب الكياسة والحكمة السياسية لدى البعض الذي يبدو انه مازال مسلحا باسلحة الايديولوجيات العنيفة ومنطق القوة المدججة بسلاح الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وخطاب التبخيس والاتهام والمسارعة الى العدوان.
ومع ان الفتنة خمدت بجهود العقلاء، غير ان السياسة في العراق مازالت تشكو من نقص العقلانية وغلبة الاندفاعات ومنطق الثأر، وفي كل ذلك يجري الدوس على منطق الدولة والقانون، والمجازفة بأمن المجتمع والتغاضي عن كل المشكلات والتحديات، طبعا لا تنقص المتصارعين الحجة بتثبيت احقيتهم في خوض الصراع من منطلق الدفاع الشرعي والمنافحة عن الذات ومواجهة الظلم واحقاق الحق !!! ، لكن كل ذلك لا يغطي على حقيقة صارخة مفادها ان ما حصل وما سيحصل هي مجرد مناوشات ومظاهر لصراع اعمق بين مشروعين سياسيين في البلاد وان استخدمت فيهما العناوين الكبيرة ذات الطابع التقديسي.
لقد اصبح واضحا ان كل ما جرى يشي بان البلاد تضطرم فيها نيران تعتمل في النفوس، كل ما تحتاجه سوء فهم من هنا وتصرف عجول من هناك، لتنطلق شرارات الفتنة التي تحرق الاخضر واليابس، ومع علم الجميع بان العراق ساحة متفردة، لا يجوز ان تكون مسرحا لحروب النيابة وتصفية الحسابات، فهو الخاسر الاكبر من كل ذلك، كما علمتنا دروس التاريخ وحتميات الجغرافيا وحسابات السياسة، الا ان كثيرا من العراقيين يحبون التجريب ويعشقون الممارسة العملية ولديهم استعداد للمجازفة بكل شيء طالما خضعت هذه المجازفات لشعارات مقدسة وأهداف كبيرة
موهومة.
لا يحتاج السياسيون ومحازبوهم الى التذكير بان السلاح المنفلت كثيرا لن يبني حياة سياسية سليمة، وان اختلاف الرؤى في اساسيات الادارة لن يضع الدولة على جادة الصواب، وان منطق القوة المتوزعة بين حملة السلاح والمشاريع الايديولوجية هو النقيض الهادم لمشروع بناء الدولة، دولة المواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات، فالسلاح والشعارات والقداسات، غالبا ما تستخدم غطاء لاقتطاع حصة من السلطة والثروة بمنطق التخويف والتهديد والتقديس، وعند ذاك تغيب اخلاق السياسة، وتحل محلها اخلاق القوة والعنف، وكلاهما حق حصري للدولة، وليس حقا للمشاريع الموازية ولا للسلطة العميقة، فهل من
مدكر!!؟؟.