صادق كاظم
الموقف العراقي من دويلة الكيان الصهيوني في تل أبيب هو في أنّها كيان توسعي عنصري أقيم نتيجة لمساعٍ وظروف دولية صعبة سمحت لقادة العصابات الصهيونية الذين قدموا من مختلف الدول الاوروبية وتحت غطاء استعماري ليرتكبوا جرائمهم ويجبروا سكان فلسطين العرب على الرحيل بالقوة منها الى اراضي الدول العربية المجاورة، وللأسف فإن هذه الماساة مازالت مستمرة حتى هذه اللحظة.
المصادر الصهيونية سرّبت قبل فترة زمنية أخبارا عن قدوم وفد عراقي يضم عدة شخصيات من مختلف المكوّنات الى فلسطين المحتلة ونقل رغبتهم الى القادة الصهاينة بتحسين العلاقات بين العراق وحكومة تل أبيب.
من المؤكّد بأنّ هذا الخبر مفبرك ويعد في لغة الاعلام والسياسة بالونا لاختبار النوايا ودراسة الانعكاسات منها على أرض الواقع، وما حصل من رد فعل غاضب ورافض لهذه المحاولة الصهيونية كان جوابا واضحا على هذه الاكاذيب وعدم القبول بها، فهناك اجماع وطني عراقي على رفض التطبيع مع الصهاينة قبل أن يعترف الصهاينة بحق أهل فلسطين المهجرين منها بالعودة الى ارضهم ومدنهم المغتصبة، وان يكون هناك اتفاق شامل للسلام في المنطقة وفق التزام الصهاينة بالقرارات الدولية الخاصة بفلسطين والاعتراف بالدولة الفلسطينية المقترحة واحترام حدودها وسيادتها.
العراق يمثل عقدة كبيرة للدولة الصهيونية الغاصبة، فالعراقيون قد حاربوا العصابات الصهيونية في الماضي من خلال حرب فلسطين عام 48 ولقنوا العصابات الصهيونية دروسا لا تنسى ومنعوها من السيطرة على عدة مدن في الضفة الغربية كنابلس وجنين وطولكرم, فضلا عن المشاركة الفاعلة للجيش العراقي في المعارك الأخرى ضد الجيش الصهيوني ومنعه من تحقيق أهدافه.
الموقف العربي من الصراع العربي-الصهيوني تغيّر خلال السنوات السابقة, اذ تخلّت الدول العربية عن مشاريع المقاومة والصمود والاستمرار في مواجهة الصهيونية ودعم الشعب العربي في فلسطين لنيل حقوقه التاريخية في العودة، وتحولت الى دول لاهثة خلف سراب السلام المزعوم مع الصهاينة, بل واخذت تقدم تنازلات خطيرة على مستوى اقامة علاقات دبلوماسية كاملة والقبول بها كدولة رغم أن الصهاينة لم يبادروا الى تقديم تنازلات مماثلة والاعتراف بحق الفلسطينيين في دولة تقام على ثلث أرض فلسطين كما تنص على ذلك اتفاقيات السلام معها. والمؤسف ان العرب باتوا يستقبلون من دون خجل زعماء الصهاينة في مدنهم وعواصمهم ويعاملونهم كأنّهم أصدقاء وليسوا مجرمين ارتكبوا المجازر بحق العرب طوال السنوات الماضية.
بعض الحكومات العربية لم تكتفِ بالتطبيع مع الصهاينة وتراجع اهتمامها بالقضية الفلسطينية التي لم تعد لها أي أهمية في سياساتها الخارجية واجنداتها, بل اخذت تصطف مع تل أبيب في ما تسميه مواجهة التهديدات الايرانية في المنطقة والقبول بالانضمام في تشكيل حلف الناتو الجديد في المنطقة الذي يضم 8 دول عربية, فضلا عن الكيان الصهيوني وتحت الزعامة الاميركية رغم أن إيران ليست هي من يحتل أرض فلسطين, بل هي من ساعد المقاومة في لبنان وفلسطين على مواجهة الصهاينة والحاق الهزيمة بالجيش الصهيوني وإجباره على الانسحاب من جنوب لبنان وقطاع غزة بينما عجزت الدول العربية مجتمعة وطوال اكثر من 40 عاما من الحرب والسلام عن إجبار جندي صهيوني واحد على الانسحاب.
هذا الانخراط العربي في المخططات الاميركية – الصهيونية في المنطقة في مواجهة ايران بزعم الخلافات معها ليس أمرا مبررا او مقبولا، فمهما كانت الخلافات مع ايران فيمكن حلها عن طريق الحوار المشترك بدلا من تصعيد الصراع معها, فضلا عن الطريقة الخاطئة التي تتعامل بها الدول العربية في خلافها مع إيران بناءً على تحريض أميركي.
العراق دولة محورية ومهمة في الصراع مع الصهاينة ومحاولة الصهاينة فتح قنوات دبلوماسية مع العراق تمثل محاولة خطيرة لانهاء الطوق العربي المناهض لاسرائيل وكسرا لحاجز ظل منيعا وعصيا عليها وانهاءً لعقدة تاريخية مستمرة منذ عقود طويلة.
العراق لا يريد المزايدة على الفلسطينين في قضيتهم في إثبات حقهم في الوجود والحصول على دولتهم المستقلة بحسب قرارات مجلس الامن الدولي والامم المتحدة والتي شكلت الارضية لاطلاق المفاوضات بهذا الخصوص، لكنّه لايريد ايضا الانخراط في أوهام السلام مع الصهاينة الغاصبين الذين يستغلون وللأسف حالة التخاذل العربي واحتقان الاوضاع في المنطقة بعد احداث ما يُسمى بالربيع العربي لتمرير مشاريعهم واجنداتهم التوسعية، فضلا عن عدم جديتهم في إحلال السلام في المنطقة.