من ينقذ ثقافة الطفل العراقي ؟

اسرة ومجتمع 2019/01/15
...

بغداد / صلاح حسن السيلاوي  
هل نملك سعيا فعليا لصناعة ثقافة خاصة بالطفل العراقي ، أيوجد مثل هذا الهم لدى مؤسساتنا المعنية؟  كيف تسهم النخب الإبداعية بصناعة خطاب حقيقي قادر على تأهيله لمرحلة المراهقة والشباب، لاسيما ان الطفولة هي المعين الأول  لذاكرة الإنسان ووعيه وتشكل شخصيته ؟ ما هي السبل التي على الدولة اتباعها لنشر هذه الثقافة ؟ وما رأيك بما متحقق منها  ؟ وما هي الوسائل التي يمكن من خلالها لفت انتباه الطفل عن مشاهد الموت والعنف المتكررة في محيطه والصور المتعددة من حوله ؟ وماذا ايضا عن لغة الشارع العنيفة التي تسور حياته، وكيف يمكن للمدرسة ان تسهم بكل هذا ؟  هذا مدار أسئلتنا وأجوبتها مع نخبة متميزة من مثقفينا عبر هذا الاستطلاع. 
طفولة بنكهة الحروب
  الروائي كاظم حسوني أشار برأيه إلى عدم حصول الطفل العراقي في الماضي والحاضر على الرعاية والاحتضان والاهتمام الكافي لنموه الطبيعي وتزويده بالوعي اللازم ، كيما يتخطى طفولته وهو شاب متسلح بالثقافة والطاقات لبناء حياته وحياة مجتمعه .
لافتا إلى ان إهمال الطفولة  متأت من عوامل عديدة على رأسها السياسات المتخلفة التي تسلطت على العراق لعقود طويلة، فضلا عن تردي الوعي الاجتماعي الى جانب الحروب التي حكمت على آلاف الاطفال باليتم وترك الدراسة، وبالتالي اصبحت اعداد ليست بالقليلة من تلك الالاف تعد من أطفال الشوارع بصيغة أو أخرى،  فالويلات التي تعرض لها الوطن انعكست بشكل سلبي على الاطفال قبل غيرهم ،على حد تعبيره .
وأضاف حسوني مؤكدا أنه في راهننا محنة الطفل اقسى من اي وقت بسبب اعمال الارهاب وتفاقم الحروب، طبعا نحتاج في ظل هذا الظرف الى حمايته من اعمال العنف التي أثرت في حياتنا، ينبغي ان تتضافر جهود الاسرة والمدرسة ومؤسسات الدولة لإنقاذه من ظلال العنف وانعكاساته المختلفة، الى جانب ذلك ، يتحتم على مؤسسات الدولة ان تؤدي دورا جادا ومضاعفا
 لرعايته.
ثقافة قلقة  
الناقد زهير الجبوري  تحدث عن  قلق ثقافة الطفل ، لتعلقها بجوانب تكوينية ونفسية ، واخرى تتعلق بعدم استقرار هذا الكائن من امور وجوانب محيطة بواقعنا، مشيرا الى ضرورة وجود ضوابط محسوبة ودقيقة في التعامل او الاشتغال في هذا المجال، لافتا إلى أن النظر بدقة لكل ما يدور حول الحياة الطفولية في واقعنا المأزوم، غير ما نشاهده في بقية دول العالم التي تنظر الى الطفل نظرة حذرة ودقيقة .
وأكد الجبوري أن العالم أخذ على عاتقه مجالا علميا اسماه بـ(عالم الطفل) وخصص له اصحاب الشأن العديد من الدراسات والتحليلات الشاخصة فكانت في مجال المعرفة ( ادب الاطفال) وفي مجال العلم ( ابتكارات الاطفال) وفي التربية ( نشاطات الاطفال)، وما الى ذلك .
واضاف بقوله : الاّ اننا لم نمسك بهذا الجانب، واعني في بلدنا.. ذلك لأن المنهج الغائب في تفاصيل الدولة اضمر هذا  مع الجوانب الاخرى، وعلينا ان نقيم مع علماء الاجتماع والنفس
 والفكر مؤتمرا لدراسة واقع الطفل، لإبراز الطاقات الكامنة التي تحتاج الى رعاية عليا ومن ثم تقديمها بالشكل الذي يلائم هذه الطاقات ومحاربة الظواهر التي تجعل من الطفل متسولا ومن ثم
 يصبح مجرما هذه ظواهر مسؤولة عنها بالدرجة الاساس
 الدولة.
 
ركض نحو الهاوية 
الشاعر مهدي النهيري رأى أن الطفل العراقي يركض نحو الهاوية من خلال  ثلاث نقاط حددها هي :
- المتابعة المبالغ بها لأفلام الكارتون السيئة والهابطة التي يعرضها التلفزيون، والتي لا قيم فيها ولا اخلاق ولا حتى ذوق، والتلقي السلبي والفطري لدى الطفل يحتم عليه ان يتلبس كل هذا السوء، وان يتعامل مع المحيط (الاسرة/ الاصدقاء/ الغرباء) بالسوء نفسه.
- اجهزة الهاتف والحاسبات والانترنت والالعاب، التي ربطت الاطفال الان وشدتهم اليها بشكل ضار جدا، فهم مشغولون كل النهار، بلا أن يتنبه لهم الاهل وان ينهوهم ويرشدوهم، مما سيؤدي الى ادمان قاتل للمواهب، واقول قاتل للمواهب لأن الطفل غير المتعلم لن يستفيد منها استفادة الطفل المتعلم، وهذه اشارة الى النقطة اللاحقة التي سأذكرها.
- يشكو أغلب الأسر الآن من أن أولادهم بطيئون في التعلم، وربما هم لا يجيدون حتى الإملاء، هذا كله بسبب المعلمين الجهلة الذين يعلمونهم، وبكل صراحة فإن معاهدنا وكلياتنا تخرج دفعات كبيرة من المعلمين والمدرسين الذين يحتاجون الى إعادة تأهيل وتدريب مكثف حتى يتمكنوا من أداء مهمة التعليم العظيمة التي هي مهمة انبياء. لذلك غالبا ما نجد الأسر تدفع بأبنائها إلى المدارس الأهلية التي تثقل عواتقهم بالتكاليف المادية الباهظة، هذا إن تمكنوا، وإن لم يسعفهم الحال ونحن نعرف دخل الموظف العادي، فإن الهاوية تنتظر الأولاد في كثير من المدارس
 الحكومية.
 
فقدان براءة الطفل 
الكاتب الدكتور لطيف القصاب أشار إلى ان تشابه حال الطفل العراقي مع واقع والديه، فهو في الغالب فقير في الصحة والتعليم، ومحروم من الحماية الكافية داخل أسرته وخارجها.  لافتا إلى أن حاله على المستوى الثقافي اشد بؤسا ما دام حاله بائسا في الضروريات الحياتية، لاسيما مع ضآلة المنتوج الثقافي، وتردي نوعياته محليا وعالميا.
مؤكدا أن السعي لصناعة ثقافة طفل عراقية رشيدة  يبدو غائبا أو خجولا إلى حد بعيد. فلو كان مثل هذا السعي المأمول موجودا فستظهر آثاره العملية في المدرسة أولا على حد تعبيره.
 ثم تساءل القصاب : أين حملة محو أمية الأطفال وإعادة المتسربين منهم رغبة وشوقا إلى مقاعد الدراسة ؟؟أين تنفيذ وعود صرف منح تلاميذ المدارس الابتدائية في أقل تقدير ؟؟ عندما يعاد الاعتبار لدرس الفنية ..ومعلم الموسيقى والنشيد حينئذ يمكن أن نرصد المعطيات الأولى في طريق أنسنة الطفل العراقي والحيلولة دون فقدان براءته.
وأضاف بالقول : “أعطني علاقة محبة ووفاء وتعاون تجمع الآباء والأمهات أعطيك عشرات الأطفال الوادعين حتى في أشد حالات الانفعال والاستغراق بالمشاكسة والشغب . لن أطيل عليك كثيرا أعطني جيلا من الكبار يتحكمون بعصبياتهم الفكرية، وغرائزهم الحيوانية، أعطيك جيلا من أشباه
 الملائكة”.