فرصة لكشف الدراما.. عيد الميلاد.. هل هو {هبة} للروائيين أم ذريعة؟

ثقافة 2020/12/20
...

بنجامين ماركوفيتس
ترجمة: ليندا أدور
بدءا من رواية “إيما Emma” لجين أوستن حتى “مظلة أوراق الشجر The Overstory “ لريتشارد باورز، لجأ الروائيون الى استخدام موسم الأعياد لجمع شمل الأسر، وفسح المجال للدراما فيه لأن تتكشف.
ففي رواية باورز، الحائزة جائزة بوليتزر للعام 2019، كانت أسرة هاول تزرع مساحة من الأرض بولاية آيوا الأميركية لأكثر من قرن من الزمن، اذ قام الجد الأكبر، لعدة مرات، بزرع شجرة كستناء حال استقراره هناك، ومنذ ذلك الحين، بدأ رجال الأسرة بتصوير تلك الشجرة، وهي من بين القلائل التي نجت من الآفة التي فتكت بأشجار الكستناء الأميركية أوائل القرن العشرين. وقد دفع البوم يضم مجموعة صور الشجرة، الشاب نيك هاول لأن يرغب بأن يصبح رساما. بمرور الزمن، قاد سيارته من مدرسة الفنون في شيكاغو حيث يدرس، ذاهبا لزيارة منزل الأجداد في موسم الأعياد، مستذكرا المزرعة التي كانت مسرحا لأعياد ميلاد أسرة هاول لـ 120 عاما متواصلة. 
 
تاريخ معقد
بغض النظر عن أي شيء آخر، فإن عيد الميلاد يعد “هبة” للروائيين، فهو فرصة لجمع مجموعة كبيرة من الشخصيات، حين يتيح المغزى من الاحتفال لكل من الشخصيات والكاتب على حد سواء، الفرصة للنظر على المدى البعيد في حياتهم، وقد استخدمه باورز في روايته “ The Overstory  لإزعاج أو تهديد القارئ من خلال تنويهات عن كارثة جيلية. 
يبدو أن تاريخ أعياد الميلاد معقد، وان الكثير مما يتم الاحتفال به هذه الأيام، هو ابتكار يعود الى القرن التاسع عشر، في ما يتعلق بالأشجار والطيور، اذ إن بعض هذه التقاليد قد جاءت من ألمانيا وبعضها ربما أسهم كاتب معروف في انتشارها. لكن، القرنين العشرين والحادي والعشرين، أضافا نكهتهما الخاصة، وقد تعلم الروائيون استغلال إمكانات موسم العيد الدراماتيكية لإظهار نوع محدد من البؤس لدى الأسرة. 
ما لا يدعو للاستغراب، فإن جين أوستن كانت الأولى في إظهار تلك الاحتمالات الدراماتيكية شيئا فشيئا الخاصة بموسم الأعياد الحديث، ففي “إيما”، كانت كل العناصر في موضعها الصحيح، كالنقاش حول من يذهب والى أين، والمباحثات حول غرف النوم والسيارات، فالمشكلة، بالطبع، هي أن عيد الميلاد هو، في الغالب، وقت لتصادم جبهتين لأسرتين فيما بينها.
صدرت رواية “إيما” في العام 1815، لكن أوستن، كان سبق وأن اكتشفت بالفعل، الاحتمالات الدرامية المركزة لعيد الميلاد الحديث، حين تتكشف وتحدث أخبار وتوترات من عدة أشهر، عندما يحشر مجموعة من الأشخاص ممن يمتلكون التزامات وعلاقات مختلفة عن بعضهم البعض في منزل واحد.
 
ذريعة المؤلفين
بعد مرور مئة عام، تستكشف رواية دي إيتش لورنس “أبناء وعشاق Sons and Lovers “ ذات الديناميكية لكن من الطرف الآخر من السلم الطبقي. وبمرور الوقت، نصل الى حقيقة أن شخصية لامبرت في رواية الأميركي جوناثان فرانزن “التصحيحات The Corrections” بأن هذه النقاشات عن عيد الميلاد قد أصبحت جزءا ثابتا من طقوس الموسم. 
كان تشارلز ديكينز هو أول من أدرك أن عيد الميلاد، حتى في الروايات، هو في حقيقة الأمر يتعلق بالأطفال، ففي روايته “آمال عظيمة Great Expectations”، يسرق “بيب”، الطفل اليتيم الطعام ليأخذه الى مدان هارب التقى به. بني التوتر المتصاعد والمسيطر عليه بعناية، على حقيقة أنها أيام الميلاد، وأن السيدة جوي غارغري، شقيقة بيب، تقيم مأدبة العشاء. يدرك  ديكنز، وبشدة، وجهة نظر الطفل، حيث يجتمع  نوع  من عدم الفهم العام عن عالم الكبار من حوله مع معرفة الأسرار. 
أما في روايته “ترنيمة عيد الميلادA Christmas Carol “ فقد استكشف ديكنز الفكرة الرئيسة لعيد الميلاد أدبيا وحياتيا، كالشعور بالوحدة وتأثيرها على القدرة على التعاطف، إذ يصبح طقس كانون الأول مجرد استعارة عن الشعور بالبرد الشديد، حين يقول: “جمّد البرد ملامحه، لذع أنفه المدبّب، ووهن خده.....”.
على مدى المئتي عام الماضية، منح عيد الميلاد المؤلفين ذريعة للغوص في دواخله، بجميع أشكاله وتنوعاته: الوحيد والمزدحم والمرعب والعاطفي والبائس والحنون، لكن هذا التنوع شمل كذلك واحدا من أصعب الأشياء التي على الروائي إيصالها، ألا وهي السعادة العادية وغير المهمة. 
 
*صحيفة الغارديان البريطانية