اللسانيات الغربيَّة

منصة 2020/12/29
...

جواد علي كسار
قبل أسبوعين مررنا على أبرز النظريات اللسانيَّة عند المسلمين، ونستكمل الفكرة هذا اليوم بمتابعة أبرز النظريات اللسانية، عند الغربيين، إيماناً منّا بأنَّ المعرفة تكسُب بالتكامل ما لا تكسبه بالقطيعة، وأنَّ العقول تتلاقى شرقاً وغرباً على هوية المعرفة.
اللسانيَّة كما يحدّدها بعضهم، هي اختصاص لدراسة الكلام، وسننه وقوانينه وأعرافه وتقاليده، بصرف النظر عن تجسّده في لغة محدّدة. وأبرز اتجاهاتها كما انطلقت مع فرديناند دوسيير، واستقرّت مع نعوم تشومسكي هي، خمسة اتجاهات؛ البنيوية والنسقية والوظيفية والتوزيعية والتوليدية.
تكاد تجمع كلمة الباحثين في الغرب، على أنَّ الفكر اللساني الغربي الحديث، انطلق مع دوسيير (1857 -  1913م) وإليه تعود فضيلة التمييز بين مصطلحاتٍ ثلاثة، هي اللغة واللسان والكلام. كما يُنسب إليه الاتجاه البنيوي، حيث تنصبّ جهود هذه المدرسة مباشرة، على دراسة العلاقة بين اللفظ والمعنى، والدال والمدلول، وهي كمدرسة تُدخل «الوضع» في اللسانيات مباشرة، ويشتهر عنها أنها تقول بالاعتباط بين الدال والمدلول.
الاتجاه النسقي يرتبط بعالِم اللغة الدانماركي لويس هملمسليف (ت: 1965م) في ما يذهب إليه من دراسة اللغة من خلال اللغة نفسها، وإهمال تاريخ اللغة وارتباطها بالاجتماع والأدب والفلسفة، وتشتهر حصيلته أن اللغة كالطبيعة جوهر ثابت، ومن ثمّ فاللغة هي اللغة مهما تبدّل الزمن وتغيّرت الأوضاع، وأن هناك مشتركات بين جميع اللغات البشرية.
بالانتقال إلى الاتجاه الوظيفي، فهو ينتسب إلى مدرسة براغ، ويتناول اللغة ويدرسها عبر وظائف الكلام، ونظرة أو مراد أو مقصود المتكلم من كلامه. وبذلك يؤكد هذا الاتجاه بحسب أحد أقطابه ياكوبسن، على عناصر الرسالة، السياق، العلاقة بين المرسل والمتلقي، ومعقد الكلام؛ لاستخلاص الدلالات.
بشأن المدرسة التوزيعية التي يتزعمها الأميركي بلومفيلد، وظهرت إلى الوجود عام 1930م، فإنَّ أصحاب هذا الاتجاه، يرفضون إغراق اللغة بالتجريد والتنظير، بعيداً عن التجربة الحياتية، ويذهبون إلى أنَّ الدلالات أبعد ما تكون عن الصدفة والاعتباط، لينطلقوا في بناء نظرية الدلالة من الاتساق، بين الإثارة والردّ؛ فالإثارة هي الفعل المحرّك، والمعنى هو الاستجابة.
الاتجاه الأخير في اللسانيات المعاصرة، هو ما تمثله المدرسة التوليدية لعالم اللغة الأميركي نعوم تشومسكي. تتمثل خلاصتها المكثفة، بوجود نواة فطرية غير مكتسبة لقسم من معرفتنا اللغوية، يطلق عليها تشومسكي الملكة اللغوية، وهي ذخيرة من الأصوات والكلمات، منها يتمّ توليد البناءات التفصيلية في اللغة.
بشأن النظرية التوليدية، ذهب بعض الدارسين إلى وجود صلة خفية أو صريحة، بين هذه النظرية والنحو العربي، ترجع إلى الصلة الوثيقة لتشومسكي نفسه بالنحو العبري، وهو يهودي، إذ يقال إنَّ النحو العبري أُسّس تاريخياً على مثال النحو العربي!