الحشد بين الضرورات الأمنية والضغوط السياسية

آراء 2019/01/28
...

ابراهيم العبادي
لم تعرف على وجه الدقة،  صحة ما نسبته وسائل اعلامية  لوزير الخارجية الاميركية خلال زيارته الاخيرة للعراق، فقد قيل  انه حذر من احتمال قيام (اسرائيل) بشن هجمات على مواقع للحشد الشعبي، وان ادارته لن تتدخل في الامر مما اثار امتعاض رئيس الحكومة . الصحافة العبرية حاولت ان تستثمر  في الموضوع فكتبت عن احتمال استهداف فصائل عراقية حشدية، مذكرة بان  الحشد المستهدف هو المحسوب على محور (المقاومة) من الذين يشكلون حلقة وسيطة بين ايران وسوريا، هذه الرسائل التحذيرية والتهديدية اعادت من جديد الحديث عن قضية الحشد الشعبي بوصفها من قضايا الروزنامة السياسية العراقية الداخلية،  ذات البعد الاقليمي، بما حمل وزير الخارجية العراقي على التصريح،  بان العراق يرفض اي دعوة ومن اي جهة كانت لحل الحشد الشعبي،  ولن تسمح بغداد لأي  طلب بهذا الخصوص .
تصريح وزير خارجية  العراق لخص الضغوط واهدافها، فالهدف هو راس الحشد والسبب  ان  هذه الدول التي تنظر للحشد العراقي بعين الريبة، تعتبره امتدادا للستراتيجية الايرانية في المنطقة،  وان بعض الفصائل التي دخلت تحت عنوان الحشد، تأسست تاريخيا قبل فتوى الدفاع التي صدرت في 14حزيران 2014، وانها تعلن بصراحة موقفها المتماهي مع (محور المقاومة) وانها قاتلت في سوريا قبل ان تقاتل داعش  في العراق، لهذه الاسباب يظهر  الحشد العراقي ذو  المظلة الواسعة لفصائل وقوى ذات تاريخ سياسي وايديولوجيا معلنة، وقوى متطوعة بلا تاريخ وايديولوجيا، متهما في دول عديدة ويغذي هذا الاتهام اخطاء وممارسات وتصرفات تدفع بعض الاطراف المحلية الى نقل هذه الصور السلبية،  لتغدو جزءاً من صراع اقليمي -دولي اطرافه ايران ومحورها،  واسرائيل ومحورها، فيما يصبح العراق ساحة صراع وانقسام واستقطاب مجتمعي. 
مهما سعت الدولة العراقية لتاكيد صيرورة الحشد ضمن منظومة الدفاع العراقية،  الا ان الساعين والفاعلين ضمن الستراتيجية الاميركية في المنطقة، لن يدعوا جهة عراقية ذات حضور عسكري، ولها خطاب سياسي مواز احيانا  للخطاب الرسمي العراقي، تتمتع بفاعلية في الساحة العراقية، دون ان تتعرض للضغوط والتهديدات، وقد تكفلت اسرائيل باعلان هذه الحرب، والتلويح بالقصف الصاروخي والاستهداف المخابراتي، دون ان تخشى اعتراضاً اميركيا، فايران ومن يصنف ضمن دائرة القرب منها، سواء كانت فصائل عراقية وغير عراقية، مشمولون بهذه الحرب المعلنة والمفتوحة. والهدف الاكبر هو اخراج العراق من دائرة النفوذ والتأثير الايراني، باعتبار ان هذا الهدف هو احد اركان ستراتيجية (تنظيف) المنطقة من امتدادات طهران الخشنة والناعمة، لكن هل ستنجح هذه الستراتيجية؟ وهل سيكون لهذه التكتيكات مفعول ناجح؟.
العراق يدرك ان خياره الوحيد هو البقاء عنصر توازن في المنطقة بما لا يسعه الدخول في اي محور ضمانا لاستقراره الداخلي وامنه السياسي، والتركيز على دور الحياد كما يتحدث عنه وزير الخارجية، يتطلب من الاخرين ادراكا لضرورات الوضع العراقي،  واعترافا بالتحديات الامنية والسياسية والمخاطر الجيوبولتيكية  التي تحتم مثل هذا الموقف، طبعا لا ايران مستعدة لترك العراق مسرحا لنفوذ خصومها، ولا اولئك الخصوم راضون عما يشاهدونه من قدرات ايرانية كبيرة في الساحة العراقية، وهذا التقاطع يملي سياسة داخلية عراقية موحدة  تتحمل تبعاتها كل القوى والفعاليات، وبموازاتها وانعكاسا لها،  سياسية خارجية فعالة وقوية تمارس دور الاقناع والتأثير، للانتقال بالعراق من ساحة تقاطع  الى ساحة احترام للضرورات والخصوصيات العراقية،  بما لا يقود الى جعل العراق مختبرا لرصد تفاعلات الستراتيجية المضادة لايران والستراتيجية الايرانية المقابلة،  التي جعلت العراق ساحة الدفاع وخط التصدي الاول بعد سوريا .
الامر كله يتوقف على قوة ورصانة وحكمة الفاعليات والقوى العراقية التي عليها دعم موقف الحكومة الداخلي والخارجي، ولن تقوى الحكومة الا  بتحويل مؤسساتها الى مؤسسات دولة حقيقية خاضعة لقوانينها ومنضبطة بسياساتها، ومنها مؤسسة الحشد، بغير ذلك سيواجه الحشد او بعض فصائله منفردا ضغوطا وتهديدات يجعلها تنفعل في سلوكها بما يهدد موقف الحكومة ويضر بالاستقرار المجتمعي ويجعل الدولة هشة بلا  قاعدة صلبة لمواقفها.