مطار إسرائيل الستراتيجي بغطاء مدني

آراء 2019/01/28
...

حازم مبيضين 
متأخراً وخافتاً وخجولاً جاء الرد الأردني على افتتاح مطار رامون الإسرائيلي قريباً من مطار أردني في مدينة العقبة كما أنه لم يأت على المستوى السياسي وإنما الإداري حيث أكد رئيس هيئة تنظيم الطيران المدني رفض إقامة المطار إلا إذا التزمت إسرائيل بالمعايير الدولية واتخذت الإجراءات التي تضمن المصالح الأردنية كاملة. وكان منتظراً أن يغلف الرد الأردني بإطار سياسي، ينفي الانطباع بأن المسألة فنية وتقنية، وكان الواجب يقتضي تحركاً عاجلاً كما حدث في قضايا نزاعات أخرى بين دول متجاورة أو غير متجاورة، وإذا كان رد الفعل الدولي فاتراً حيث لم تحرك قضية مطار رامون ساكنا عند سلطات الطيران الأممية ولم تكلف نفسها حتى عناء اصدار موقف من الخطوة الاسرائيلية الاستفزازية، فإن ذلك مرتبط بالضرورة بمستوى التحرك الأردني، فليس منطقياً أن بيان تنديد من سلطة الطيران المدني سيكون كفيلا باثارة ضجة على التجاوز الاسرائيلي على القوانين الدولية، ما يعني ضرورة اللجوء لجميع الطرق السياسية والدبلوماسية والقانونية لإجبار اسرائيل على التراجع عن مخططها المستقبلي بأن يكون المطار من بين مهمات أخرى محطتها لاستقبال سياحة اوروبا القادمة الى الاردن ومصر.
عن هذه المهمات يجدر القول إن أسطول إسرائيل الجوي سيتمكن من الإقلاع والهبوط في حالات الطوارئ إلى كل موقع في العالم  دون أدنى معوقات، وبغض النظر عن ضخامة الانشاءات والطاقات التشغيلية الفائقة للمطار المعد لاستقبال 2 مليون سائح سنوياً، فإن المطلوب ملاحظة قدراته الدفاعية والراصدة اللافتة. فهو محاط بسياج دفاعي عالي المستوى تم تطويره عدة مرات وهو بمثابة حاجز ستراتيجي مزود بمعدات رصد وتجسس فريدة، فضلاً عن منظومة دفاعية معقدة تكنولوجياً تشمل مضادات صواريخ  هي الاولى من نوعها  ورادارات دقيقة تحسبا لأية طوارئ أو هجوم الأمر الذي يثير التساؤلات حول سبب هذه الترسانة الاستخباراتية في بقعة تعد آمنة نوعاً ما بالنسبة لاسرائيل، كما أن موقعه الستيراتيجي بين مدينتي طابا المصرية والعقبة الاردنية وهو موقع بالغ الخطورة ينذر بتهديد مستقبلي حتمي ليس لحركة السياحة في البلدين،  بل للبعد السيادي والعمق الأمني لكليهما بسبب الرؤية الاسرائيلية لهذه المنطقة الحساسة . فمدينة ايلات كبيرة الأهمية بالنسبة للأطماع الاسرائيلية في التمدد والهيمنة . حيث تقع المدينة على رأس خليج العقبة من الشمال وصحراء النقب من الجنوب، وهي الميناء الوحيد المطل على البحر الأحمر الذي يعد هدفاً حيوياً اسرائيلياً بامتياز لاعتبارات اقتصادية وأمنية وجيوسياسية تمثل مرتكزات نظرية الأمن الاسرائيلي.الحكومة الأردنية التي اكتفت ببلاغ شكلي لدى منظمة الطيران الدولية، متجاهلة أن المطار الجديد ينتهك السيادة الأردنية، حيث يبعد عن الحدود الدولیة 335 مترا من منتصف مدرج المطار، وسیاجه الأمني یخترق 200 متر من الحدود الأردنیة، مع توافر معلومات تفيد بأن المطار سیستخدم عسكریا لا لنقل البضائع كما أشيع، وهو ما يشكل اختراقا لمعاهدة السلام الموقعة عام 1994 لإنهاء العداء بين البلدين، إضافة إلى تأثيره الاقتصادي خاصة في قطاع السياحة وحركة الطيران، إذ سيكون في ايلول المقبل مكانا لهبوط وإقلاع رحلات جوية مباشرة من أوروبا وإليها، ومن المتوقع أن يستقبل في عامه الأول مليوني مسافر وسيؤثر على نشاط الطيران الأردني. وكان الأردن وقع عقودا مع شركات طيران دولية قليلة التكلفة، لكن هذه الشركات أعلنت توقف خدماتها في آذار المقبل، ما يعني أن قطاع السياحية سيتأثر بشكلٍ كبير، إذ إن المجموعات السياحية القادمة من أوروبا ستفضل الطيران الإسرائيلي، المنخفض التكاليف، مع إمكانية وصول الوفود السياحية إلى موقع البتراء القريب الذي تروج دولة الاحتلال أنه يقع داخل حدودها. الواضح ان إسرائيل تشجعت على المضي في مشروع مطارها جراء ضعف الأداء الأردني في التصدي لهذا المشروع منذ بداياته، فقد كان على حكومته استنفاد جميع الأوراق والخيارات بما فيها تدويل قضية المطار منذ كانت فكرة، اما الاستيقاظ على خيارات التدويل واستحداث كل هذه الجعجعة بعد افتتاح المطار رسمياً ودخوله حيز العمل، فهو اعتراف بالواقع علينا التعامل معه، وسيجري تجاوزه بتشكيل لجان فنية وتنسيق حركة الملاحة لضمان السلامة، وغير ذلك مما لا يغير على أرض الواقع شيئاً.
وبعد، هل يمكن القول أيضاً ان مطار امون سيكون بوابة بين الخليج العربي وإسرائيل، إضافة إلى مشروع السكك الحديدية التي ستربط إسرائيل مع الخليج عن طريق الأردن قريبا، وهل سيرتبط بالمشروع السعودي "نيوم" الذي أطلقه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث تسعى إسرائيل لاستغلال الاستثمارات السعودية بأكبر قدر ممكن خاصة وأنها تتوقع استقبال أكثر من أربعة ملايين سائح في العام، وبذلك يجب أن يتجهز بالبنى التحتية للاستفادة من الفرص السياحية التي يوفرها المشروع السعودي لارتباط ذلك بالسياحة الصحراوية.