التعارض في الدستور العراقي لعام 2005

آراء 2021/01/06
...

 محمد الشحتور
 
 
ونمثِّل له بـ(المادة 2/أولًا/أ/ب/ج) من الدستور: «الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع: أ- لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت الإسلام. ب- لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية. ج- لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور».
التفسير اللغوي يبين لنا أن الألفاظ والعبارات واضحة لا لبس فيها، لكنَّ الغموض يكتنف مصطلح (ثوابت الإسلام)؛ فلن يستطيع المفسر تجاوزه، فعليه وفيه اختلاف حتى بين المسلمين أنفسهم؛ فهو ملتبس، أو أنَّه يتَّسع لتفسيرات شتَّى؛ فلا حدودَ دلالية قطعية لمعناه، ولصياغة رصينة كان يجب تحديد دلالة المفهوم، أو تجاوزه إلى سواه، أو
 تركه. 
أمَّا التفسير المنطقي فسيقف على التعارض الواقع بين الفقرتين (أ، ب)؛ فمبادئ الديمقراطية ومنها الحرية – مثلًا - ممَّا يختلف جذريًّا عمَّا تتبناه الأديان، لاسيَّما الإسلام الذي يرفض ما تتبناه النظم الديمقراطية من مفهوم للحرية، فالديمقراطية تقبل أن يغير المرء دينه، وأن يُشرَّع قانون لذلك، بينما يرفض الدين ذلك. 
وزاد في التعارض أنَّ نصَّ المادة ثلَّثَ بالفقرة (ج) ؛ وهي تُعارض البند أولا والفقرة (أ)، فضلًا عن أنها تعارض ما يجده المتلقي من نصوص تحت عنوان (الحريات) في الدستور المادة (37) المتضمِّنة لـ: «ثانيًا: تكفل الدولة حماية الفرد من الإكراه الفكري والسياسي والديني». والمادة (42): «العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم»، فضلا عما أكدته ديباجة الدستور عن تطلع الشعب «إلى مستقبله من خلال نظام اتحادي جمهوري ديمقراطي.. يقرر بحريته واختياره»، فكلُّ هذه النصوص تعارض ما ورد في المادة (2/أولًا) وفقرتها (أ).
ومهما حاولنا الجمع بين هذه التعارضات فإنَّ الغموض يظلُّ يكتنف هذه النصوص، للتعارض المنطقي والدِّلالي الواقع بينها، تبعًا للخلفية الفكرية والفلسفية لكلِّ نصِّ، والأرجح أنَّه تعارض يُظهر الخلاف الفكري والفلسفي بين الفرقاء
 السياسيين. 
حول قانون وضعي وآخر غير وضعي (طبيعي)؛ يحاول أن يكرِّس متبنياته الأخلاقية والدينية في الوثيقة الدستورية، وهو ما سيتضح أكثر في المثال الثاني بعد قليل، ومثل هذه الخلافات حدثت، وقد تتكرر في أثناء كتابة الدساتير والقوانين في سائر دول العالم 
 وما ذكرناه في (ثوابت الإسلام) يمكن مناقشته في (الإسلام دين الدولة) أيضا في المادة نفسها؛ فالدين سمة مجتمعية أو فردية، وليس سمة للدولة، والعراق ليس بدولة دينية، ولا دستوره دينيًّا، بل نستطيع أن نصفه بالمدني إجمالًا، وبخاصَّة أنَّ المرجعية الدينية التي رعته تتبنَّى دعوات
 مدنية. 
(فلسفة القانون مفهوم القانون وسريانه: روبرت ألكسي، متضادات الدستور الدائم: فالح عبد الجبار، من كتاب مأزق الدستور نقد وتحليل).