ثقافة ما بعد النسوية

ثقافة 2021/01/11
...

بغداد: الصباح
 
على الرغم من أن الافتراض القائل بأن "السمنة قضية نسوية" يكاد يكون من ضمن بديهيات الأدب النسوي إلا أن الأبحاث النسوية ترى أن النساء البدينات يخضعن للتحيز والتمييز وسوء المعاملة تحديداً. 
من هنا يأخذني المشروع الفني "سلسلة النساء البدينات" للرسامة المصرية إسراء زيدان للتفكير في مقاربة معينة نحو ثقافة ما بعد النسوية، وكيف تُقدم زيدان الجسد الأنثوي الممتلئ كـ "شيء" يقاوم المعيار الاستيطاني السائد عن حجمه وجماله. 
في سلسلة النساء البدينات، لا يُنظر إلى الجسد على أنه متصل ومترابط ومتداخل مع الافتراضات المادية والاجتماعية والأخلاقية حتى نقول إنها تعكس الخصائص الشخصية للمرأة، ونمط الحياة، والأخلاق، والقيم، والسلوك، وحتى لا نتكلم حقاً عن القوالب النمطية التي تسعى إلى ترويض الجسد الأنثوي. 
البدينات في رسومات زيدان لا تُنافق الخطاب الذي يركز على إنقاص الوزن والمستوحى من المفاهيم الطبية، وإن يتم طرحه في كثير من الأحيان كعامل مساعد لصحة المرأة أو الفتاة وليس كمسألة ديناميتية تتطلب عادة استكشافاً منهجياً ومستقلاً.
مع ذلك فعندما نتكلّم نرى مشكلة المرأة في نفسها ومسؤوليتها للحفاظ على القبول الاجتماعي والمكانة، مشكلة المراقبة (الذاتية) المستمرة للجسم، وكما تجادل سوزان بوردو في أن "التوقعات المعيارية المتعلقة بمظهر وحجم وشكل الجسد الأنثوي لم تكن أبداً تتعلق فقط بالمظهر أو القبول الاجتماعي، إذ يرتبط التحكم في الجسم وتنظيمه أيضاً بتنظيم حرية المرأة الاجتماعية". 
بالانتقال من رسم إلى آخر، تتضح المقاومة الفعلية في سلسلة النساء البدينات، إذ تطرح أمامنا المعايير النمطية عن جسد الأنثى البدين والنزعة الاستهلاكية وتسليع الاختلاف لتعيد فصلها من جديد عن المكنونات الثقافية والاجتماعية، ينبع هذا بشكل حصري تقريباً من الرغبة الذاتية على المحو الجسدي والثقافي، كما وينشأ تحول في السلطة وعلاقته بفقدان الهوية 
الأنثوية. 
إذا مشينا بهذه الرغبة (الذاتية) خطوة واحدة تجاه جسد الأنثى البدين، إذا أخذنا الظروف التي تنطوي عليها افتراضات المجتمع الثقافية وتحديد الهوية كرغبة لمناهضة الجنس أو نيل الحرية، فيمكن أن نراها رغبة لكيفية الوصول فحسب– البدانة عند الإناث ستراتيجية مدروسة، تماماً لتمثيل الذات النيوليبرالية، لاستغلالهن لأنه من المستحيل استغلال الحريّة والجمال إلّا من خلال الذات، إذ يمكن التركيز بشكل خاص على بناء الجسد الأنثوي في ثقافة المجتمع والإعلام ما بعد النسوية كنافذة للحياة الداخلية للفرد، على سبيل المثال، عندما يزيد وزن امرأة أو فتاة، فإن التعليقات الموجهة إليها والنصائح كلها طبية وتتعلق كذلك بالصحة النفسية التي تشير إلى إصابتها بالكآبة أو القلق وفقدان الثقة. 
يُنظر لماهية ما بعد النسوية على أنها تصورات مفاهيمية مختلفة (وغالبا ما تكون متناقضة) للإشارة إلى انفصال معرفي (الموجة الثانية) النسوية، أو تحول تاريخي (إلى موجة ثالثة)، أو موقف سياسي رجعي (رد فعل عنيف).. فالذهاب إلى ما بعد النسوية ليس إلا لتفريغها شبه الكامل من المفاهيم السياسية أو التأثيرات الثقافية في المجتمع. 
على سبيل المثال، يتم تصوير ظاهرة مثل شفط الدهون بالليزر أو نحت الجسم للنساء اللائي لديهن زيادة في الوزن أو بدانة (لإعادة تنحيفهن) على أنها مؤشرات لإرضاء أنفسهن وإضفاء المزيد من الجمالية المثالية في الوقت نفسه. 
كما أن الفكرة القائلة بأن "جميع ممارساتنا يتم اختيارها بحرية" هي أمر أساسي لخطابات ما بعد النسوية التي تقدم النساء على أنهن ذوات مستقلة لم تعد مقيدة بأية تفاوتات أو اختلالات على الإطلاق. 
قد تفتح تقليعة (النحافة) المفهوم النيوليبرالي الحديث عن الأنوثة، مثل تقييد الذات الأنثوية بالظواهر والقواعد أو عدم المساواة، للتعتيم أو التنصل صراحة من حقيقة مفادها إرضاء الرجل، فيبدو هوس المرأة بالنحافة يقترب كثيراً عن الخصوصيات الأنثوية ولكن بطريقة عصرية تُظهر سيطرتها وثقتها. 
 كما أن نحافة المرأة وفق المعايير المثالية تعرضها على أنها حرة تماماً، ولا يمكن تفسير السبب، ما إذا كانت المرأة ترضي نفسها فقط، وتتبع رغبتها المتولدة بشكل مستقل، فإن "المظهر'' الناتج مشابه جداً - الجسم الجميل المتناسق، والخصر النحيف، والأرداف الجذابة، وغير ذلك. وكأن المعركة الهادفة إلى تسليع الجسد والمراقبة الذاتية والتركيز على نفسية المرأة لإعادة تشكيلها من جديد تقمصت هويتها، فصارت هي الحلول المتميزة لمعضلات 
الحياة.
تواجه المرأة، مثل البدينة تحديدا، ذلك التجاور بين المراقبة الذاتية، والعمل على الذات - تلك اليقظة التي تريدها خطابات تغيير الذات وتحسينها - وتدفع الجسد الانثوي ليتصف بها.