الشاعرة نينا الكسندروفنا تجيب عن تساؤلات أدباء عراقيين وعرب

منصة 2021/01/15
...

ترجمة وتحرير: مهند الكوفيّ
 
ترى سكرتيرة اتحاد الأدباء الروس الشاعرة نينا الكسندروفنا أنها من خلال أسئلة الأدباء هذه، تعرفت على الكثير عن العالم العربي ومدى معرفته بالأدب الروسي، حتى صارت مقتنعة بالحاجة إلى تكثيف أعمال الترجمة المتبادلة والتعاون الثقافي، إذ يظهر التفاهم المتبادل ويحدث الإثراء الروحي المتبادل للثقافتين العظيمتين.
وتقول: "أرحب بحوارنا الذي آمل أن يؤدي إلى تفاهم مشترك. أعتقد أن الرغبة في الحوار وفي توسيع مجالها الثقافي ليست مجرد توجه لروسيا اليوم، لأن حوارنا حول (الأدب الروسي والعربي) هو أيضاً تجسيد له على نطاقٍ عالمي. 
الروائي العراقي علي بدر
* كتبت مرة أنا بروساكوفا كان ذلك في زمن يلتسن، أنَّ الأدب الروسي قد فقد مركزيته وحيويته في الحياة الروسية وتحول القراء عن التفكير وانصرفوا إلى قراءة الصحف، وراحوا يتحدثون في مطابخ منازلهم عن يلتسين ولوكاشينكو أكثر من حديثهم عن الروايات والأشعار. هل سنشهد عودة جديدة للأدب الروسي في الحياة الروسية اليومية؟
- أصبحت التسعينيات من أصعب السنوات وتجاربها من أصعب التجارب في روسيا على المستويات - اقتصادية وسياسية وإنسانية- أنت تعلم أنَّ هذه الأزمة نجمت عن موت الاتحاد السوفيتي وعواقب هذا الموت. حدثت التغييرات بسرعة كبيرة وشغلت انتباه مواطنينا، لأنه كان من الضروري التنقل في بيئة جديدة وصعوبة العيش وتربية الأطفال والعمل.
لا يمكنني أنْ أتفق معك في أنَّ الأدب الروسي فقد حيويته وأهميته، فمنذ العام 1991، عقدت اجتماعات أدبيَّة باستمرار، وعملت ككاتبة ودعوت زملائي للحديث بهذا الشأن، وحضر هذه القراءات عددٌ غفيرٌ من القراء، وتحدثنا عن الأدب والحياة، وقرأنا الشعر والنثر. فقد شرع الكثير من الناس في كتابة القصائد والقصص بأنفسهم، وأرادوا دراسة وتعلم الكتابة. ففي العام 1994، درست العديد من الفصول الأدبية للأطفال والشباب وقدامى المحاربين. اليوم أواصل هذا العمل ليس في مناطق جبال الأورال، إنما في جميع أنحاء روسيا.
لسوء الحظ، هناك مقالات انتهكت الأدب في روسيا، فضلاً عن أنَّ عدداً قليلاً جداً من أعمال الكتاب الروس ترجمت وتُترجم للغات أجنبية لا تعكس محتوى الأدب الروسي الحديث. لذلك يشعر المرء في الخارج بأنَّ التقليد العظيم للأدب الروسي قد فقد أهميته العالمية. وبالطبع هذه ليست هي الحال.
لا تزال روسيا دولة تتمحور حول الأدب. وما زال الأدب الروسي يفهم ويصف الحياة اليومية. فاليوم تنشر مجلات ممتازة في مناطق مختلفة - "النهار والليل"، "صعود"، "بيلسكي بروستوري"، "ردنايا لادوغا" ، "بييسك فيستنيك"، وغيرها. وإذا ما ترجمت أفضل الأعمال المنشورة في هذه المجلات إلى اللغة العربية، فسيكون القارئ العربي قادراً على الاقتناع بأنَّ الأدب الروسي حي ويواصل تقليدًا عظيمًا.
 
الروائي والعراقي سنان أنطون
* كیف تنظرین إلى علاقة الكاتب/ة بالسلطة السیاسیّة وموقفه/ا منها ومن خطابها وممارساتها وعنفها ضد مواطنیها وخارج حدودها؟ هل هناك مسؤوليَّة علیه/ا تحّملها، بالذات حین تتوفر له/ا المنصات والرأسمال الرمزي في المجتمع؟
- سؤالك مهم جدا. هناك فكرة مفادها: أن كاتبًا يجب أن يعارض الحكومة وينتقدها بل ويتحمل مسؤولية الحلول السياسية لمشكلة معينة في بلاده. يجعل من السهل إشراك الكتاب/ة في الأحداث السياسية، والتلاعب بالكتّاب واستخدام كلماتهم لتحقيق مصالح سياسية، مثلما يحدث في العالم الذي نعيشه اليوم.
لكنَّ الأدب له مهام أخرى. الأدب في مقامه الأول الإنسان. يمكن لأي شخص اعتناق ما يشاء من الأديان أو أن يكون ملحدًا، ولديه - ميول سياسي معين - هذا غالبًا ما يصبح سببًا للخلاف والصراع. يسعى الأدب لفهم الجوهر الأخلاقي للإنسان وشخصيته ودوافع أفعاله لتجنب النزاعات والعنف- لا يمكن القضاء على العنف من حيث المبدأ، لكنه يلجأ إلى أفضل الصفات العقلية لكل شخص ويجعل من الممكن حلًا للمشكلة من خلال حل وسيطًا معقولًا.
يمنحُ الأدبُ الوعي، فالوعي يساعد على تجنب العنف. مسؤولية الكاتب/ة هي خلق هذا الوعي باستمرار، للحفاظ على حوار دائم مع أعماله. لكن الكثير بمن فيهم السياسيون، يشاركون في الحوار العام. بما يملكونه من طرائق خاصة لجذب الكاتب/ة لمنطقة السياسة، ليحجموا دورهم في أن يكونوا كاتبًا مستقلين. دون كلمة (الكاتب/ة)، سينمو العنف في المجتمع لأن الناس لن يعودوا يفهمون بعضهم البعض. هذا لا ينطبق فقط على العلاقات داخل الدول، بل على العلاقات بين الدول. 
 
الروائي العراقي ضياء جبيلي
* من المعلوم أنَّ روایة فلوبیر (مدام بوفاري) نشرت قبل روایة تولستوي (آنا كارنینا) بنحو ٢١ عاماً، وهناك أكثر من عامل مشترك بینهما، مثل موضوع الخيانة الزوجية والنهاية المأساوية –الانتحار- وكذلك قضية الحمل بعد العلاقة خارج إطار الزواج، فـ(إیما بوفاري) أنجبت طفلة و(آنا كارنینا أجهضت) فهل تظنين أن تولستوي قرأ روایة فلوبیر وتأثر بها بحیث لم يستطع تلافي الوقوع في شباك التناص من خلال المشتركات الثلاث؟
- سؤالك ممتع للغاية، إنه يتعلق بمشكلة أدبيَّة خطيرة. تمت مقارنة روايات "مدام بوفاري" و"آنا كارنينا" فعلاً في النقد الأدبي الروسي والأجنبي. هناك دليل على كيفية تعامل هؤلاء الكتاب مع بعضهم البعض. تولستوي في محادثة مع أجين بوردون عام 1904، قال "أحد كتابي المفضلين هو فلوبير. في الواقع، فنان رائع، عظيم، دقيق، متناغم، كامل الجسد، مثالي. أسلوبه مليء بالجمال النقي المتناغم ". رد فلوبير، بعد أن قرأ "الحرب والسلام" في الترجمة الفرنسية عام 1879، على تورجينيف حول هذا الموضوع على النحو التالي: "هذه رواية من الدرجة الأولى. يا له من رسام ويا له من عالم نفس".
مشكلة الأسرة والواجب والحب والعاطفة تقلق كل كاتب، وكل ينظر لها بشكل مختلف عما غيره. إذا كان فلوبير يصف أولاً وقبل كل شيء الزنا الصغير ونتائجه الطبيعيَّة، فإن تولستوي في المقدمة كان موضوعه الأسرة، والمشكلة الأخلاقية للواجب والعاطفة. لقد أوجز بالفعل هذه المشكلة في رواية الحرب والسلام، وفي آنا كارنينا كشف بعمق من خلال قصص ثلاث أسر - كارينينز وأبلونسكي وليفين. وفقد واحدا من خطوط الحبكة الثلاثة يردد صدى رواية فلوبير ظاهريًا، لكن فكرة مختلفة تمامًا تهيمن عليها. فقد اشتملت روايته على مشكلات أسرية وفلسفية واجتماعية، لكن الشيء الرئيس هنا هو مأساة الأسرة جراء التغيرات التي تطرأ على الأخلاق العامة.
بالإشارة إلى التشابه الخارجي بين رواية فلوبير وأحد خطوط حبكة رواية تولستوي، وهما كلاسيكيتان من القرن التاسع عشر، نرى مدى الاختلاف لاستخدام كل منهما في مهارتهما المتميزة تناولهما هذا الموضوع. ومدى اختلاف عمق المشكل التي أثاروها - فالقراءة المتأنية نفهم مدى الاختلاف - في خزينة الأدب العالمي المختلفة.
 
المخرج السينمائي ليث عبد الأمير
* لا یوجد مسرح ذو سمعة عالمية عالية من دون أنْ یعرض مسرحيات أنطون بافلوفیتش تشیخوف! أین تجدون السر في هذه الشهرة العالمیة وهذا الاهتمام المحموم بأعمال المسرحي الروسي تشیخوف؟
- أنا سعيدة لأنك تقيم الموقف تجاه أنطون بافلوفيتش تشيخوف في العالم على أنه اهتمام كبير! نحن فخورون بأنَّ هذا الاهتمام ينمو. أعتقد أنَّ خصوصية دراما تشيخوف تكمن في أنه حوّل الانتباه من فعلٍ إلى تجربة. يهتم الشخص دائمًا بشخص ما، ويهتم دائمًا بالمشاعر - وعندما يصبح فجأة القوة الدافعة لعمل المسرح، يكون سبب الأحداث وتأثيرها بالطبع أمرًا جذابًا للغاية. يمنح هذا أيضًا حرية إبداعية كبيرة للمخرج في إبداعه المشترك مع الكاتب المسرحي في تجسيده لأروع التجارب العاطفية على المسرح. عالم الروح البشرية لا نهاية له ومتعدد الأوجه. القرن العشرون بأكمله وأحداث اليوم تجبرنا على البحث عن أصول كل ما هو جميل وما هو مأساوي في الروح في أعمق تجاربها. وأصبح تشيخوف أكثر أهمية اليوم من أي وقت مضى.
 
الروائي العراقي حسن بلاسم
* نحن بحاجة إلى معرفة الحریة، أعني حریة التعبیر في روسیا كیف تتعامل الحكومة مع المشهد الثقافي الیوم في روسیا؟
- مسألة حرية التعبير ليست فقط مثيرة للاهتمام - إنه أمر حيوي لأي كاتب في أي بلد- لأنَّ الكلمة هي أساسنا وأداة العمل. أنا منخرط في الصحافة والأدب مهنيًا منذ أوائل التسعينيات ولم تصادفني يومًا مسألة تقييد الكلمة. ليس لدينا الآن منظمات أيديولوجية، ولا توجد رقابة على ما يقوله الكتاب بالمطلق. هناك مشكلة ليست في روسيا فحسب بل في العديد من الدول! في غياب الأيديولوجيات تصبح (السوقية) الجهة المنظمة في مجال الثقافة! وعلاقاتها في تلك السوق، تقطع الأعمال المعقدة عن القارئ التي تتطلب جهداً روحياً لإدراكها، بل تقدم بشكل رئيس الكتب المسلية للقارئ، لأنَّ الكتب الأيديولوجية معقدة لا تربح بها السوق ولا تُروج! يشتريها فقط من يحتاجها وهذا يسبب مشكلة للناشر.
في هذه الظروف تدعم الحكومة الروسية والإدارات الإقليمية الكتاب، وتخصص له مُنحاً! وينشر في المجلات الأدبية الإقليمية. فالطبع مع ازدهار الأدب الذي نشهده اليوم، إنَّ الدعم المطبعي للكتاب غير موجود، العديد من المؤلفين ينشرون مؤلفاتهم على حسابهم الخاص أو البحث عن رعاة لنشر أعمالهم. بالإضافة إلى أدب التيار الليبرالي الذي يحظى اليوم بدعم أكبر من الأدب التقليدي والوطني، مع ذلك لا توجد رقابة أدبية في روسيا الحديثة، وهذه نعمة كبيرة! لكن هناك مسؤولية كبيرة على كل كلمة تنشر، فالقارئ هو من يحاسب الكاتب في روسيا! بالنسبة للجزء الأخير من سؤالك، لا أعرف كتابا روسا يمارسون الكتابة خلف القضبان، بسبب الرقابة الأدبية أو لسبب آخر يخص الأدب. يكتب الشاعر الآن ما يجول في رأسه فقط. 
 
الروائي حميد المختار
* هل یمكن أنْ نقرأ الأصوات المعارضة في الأدب الروسي والتي كانت مبعدة في فترة حكم ستالین وهي كثیرة في الشعر والروایة، بمعنى هل هناك إصدارات جدیدة في هذا الشأن غیر نتاج آنا اخماتوفا وشارلام شالاموف؟
 - بالطبع، لا يمكن للكتّاب المعاصرين تجاهل هذا الحدث الكبير والمأساوي في بداية القرن الماضي، لأنَّ مشكلة التحولات الاجتماعية الكبيرة واختيار مسار التنمية أصبحت ذات صلة - مرة أخرى- ليس فقط لبلدنا، ولكن للعالم بأسره.
واحدة من أفضل روايات العصر الحديث، يمكنني أنْ أسميها ثلاثية "ظل بيهستونغ" المخصصة لأحداث الحرب العالمية الأولى في روسيا. فإنَّ ما سبق الحرب هي الأحداث الثورية، فتسببت فيها وحكمتها لحد كبير. بينما لم يُكتب عنها إلا القليل. كان مؤلف هذه الرواية كاتب النثر المشهور أرسين تيتوف. فقد حصلت روايته على جائزة "ياسنايا بوليانا" الأدبية بروسيا. ربما ستتاح لك الفرصة لقراءة هذه الثلاثية، لكنْ للأسف، لم تتم ترجمتها إلى العربية بعد.
 
الشاعر عباس ثائر
* في ما يخص الأدب الحديث، أين هم الروس الآن من العالم؟ أیهما أكثر تقدًما وتجدًدا روسیا الآن أم روسیا السابقة في الأدب الحديث؟
- تطرقت لمسألة مهمة للغاية تتعلق بوجود الأدب - ليس فقط باللغة الروسية- ولكن أيضًا في جميع أنحاء العالم. نتذكر أن الأدب يقوم على ثلاث مهام اجتماعية رئيسة - إنه ذاكرة للثقافة، ومرآة للحداثة، ودراسة لنماذج المستقبل- وبالتالي، فإنَّ كل فترة جديدة في تطور الأدب لا تلغي السابقة، بل تتطور على أساسها، وفي الفترات الصعبة من التغيير الاجتماعي يمكننا أنْ نجد دعم ومساندة من سبقونا. 
القرن العشرون المأساوي بالنسبة لروسيا، قائم على الخبرة الفنية والمعرفية الإنسانية، التي قدمها لنا القرن التاسع عشر. تنبأ الأدب الروسي العظيم في القرن التاسع عشر بالمحاكمات التي ستمر بها روسيا في القرن العشرين. عشنا من تجربتها الأخلاقية. واليوم، في العقود الأولى من القرن الحادي والعشرين، نرى بداية طفرة جديدة للأدب. إنَّ روسيا وآدابها الآن وفي الماضي، هي واحدة، وقد تم بالفعل تفسير الأحداث التاريخية والتحولات الاجتماعية التي حدثت في القرن الماضي من قبل الكتّاب فوضعوها في شكل فني في أعمالهم.
 
الشاعرة السورية فدوى العبود
* هل تعتقدین أنَّ الأدب الروسي الآن بمراجعاته التاریخیة، للماضي القاسي الذي طاله وللرقابة التي ضیقت علیه الطریق یستطیع أنْ یتجاوز هذا الماضي؟ بمعنى آخر یرى البعض أن الأدب الروسي الحدیث هو مراجعة للماضي وهذا ما یجعله فاقداً المستقبل باعتبار أن من یطلق نیران مسدسه على الماضي سوف یطلق علیه المستقبل نیران مدافعه ؟
- أشكرك على اهتمامك الوثيق بالقضايا الأدبية التاريخية والمعاصرة. أفهم أنَّ سؤالك مدفوع باهتمام شديد بالحياة المعاصرة في روسيا. طبعاً أدب الحداثة ينُسى ولا يختفي، وحوارنا دليل حي على ذلك!
لا يُنظر للتاريخ في التقليد الروسي على أنه ترتيب لأحداث منفصلة، ولكن كعملية متكاملة وموحدة. من المهم جدًا فهم كيفية تأثير الواقع فينا ومدى قدرتنا على التأثير فيه. من الصعب فهم الأحداث الكبيرة عند حدوثها، لأنها قريبة جدًا، ومن المستحيل رؤية بعض العلاقات عن قرب. لذلك، فإن الرجوع إلى التاريخ هو جزء من تقاليدنا الأدبية.
ينظر بعض الباحثين الغربيين للأحداث الثورية في بداية ونهاية القرن العشرين على أنها انقطاع للتعاقب التاريخي والاستمرارية، لكنَّ الأمر ليس كذلك. فمن خلال صورة حدث تاريخي، صيغت معانٍ حديثة ذات صلة وثيقة في معظم الأعمال الأكثر إثارة وأهمية للقراء، هي تلك الأعمال التاريخية التي يرون فيها صورة الحاضر.
هذا لا يستبعد، ظهور الأعمال الفردية التي يُنظر من خلالها إلى مناشدة الماضي على أنها هروب من الحاضر، والانهزام من إيجاد حلول عاجلة للمشكلات. لكن لم تحدد هذه الأعمال في الماضي ولا الآن. فالأدب الروسي، يكتب بدوام نشط عن الحداثة أيضا. أود لو تتاح للقراء العرب فرصة التعرف على الحياة الحديثة في روسيا، وليس على تاريخنا فحسب. لذا من الضروري إقامة حوارات أدبية مستمرة وأعمال حثيثة تخص الترجمة.
 
الروائي أزهر جرجيس
* لماذا تخلى الأدب الروسي عن عالميته وتراجع ليكون أدبًا محليًا لا يقرأ خارج الحدود؟!
- لقد ساعدني سؤالك في معرفة كيف يُنظر إلى الأدب الروسي في الخارج اليوم. لا تزال عالمية الأدب الروسي، وأسسهُ الأخلاقية الرفيعة، التي صيغت في القرن التاسع عشر معترفاً بها في جميع أنحاء العالم، أساسية بالنسبة لنا.
لكني أعتقد أن الأدب، مثل الثقافة بشكلها العام، بعد أنْ صعد إلى القمة، لا يمكن أنْ يظل دائمًا عليها، لأنَّ الأدب طريقة رائعة ومأساوية لفهم الشخص لذاته وقوانين العالم الذي يعيش فيه، وهذا ليس طريقًا سهلاً.
تماشيًا مع الأحداث التاريخية في القرن الماضي، واجه الأدب الروسي مع المجتمع العديد من التصادمات، تغير موقف العالم تجاهها من الاهتمام والانتباه للتسييس الحاد والمغرض بل وحتى للعداء. إن الحفاظ على التقليد الأخلاقي للأدب الروسي، مستمر في أعمال الكتاب الشباب. هل يمكن اعتبار هذا إنكارًا للعالمية؟ لقد شهدنا أيضًا فترة ترجم فيها الأعمال التي تعرضت فيها الحياة في روسيا للتشويه والتشويش بشكل كبير. مثل هذا التحيز، بالطبع، غير مقبول. اليوم، لا تزال مشكلات بناء حوارات ثقافية على المستوى العالمي قائمة، ولهذا من الصعب إجراء تقييم موضوعي لحالة أدبنا. أعتقد أن محادثتنا هي إحدى الفرص العظيمة وخطوة نحو حل هذه المشكلات.
 
الشاعر الفلسطيني خالد بن صالح
* ما هي حال قصيدة النثر؟ وهل تأثر الشعر بما رفد إليه من تيارات عالمية خارج روسيا؟ فيمَ تتمثّل اهتمامات الكتاب الشباب الشعرية وما هي الصعوبات التي تواجه نتاجهم الأدبي؟
- لقد طرحت سؤالًا قريبًا جدًا مني، لأني أعمل مع الشعراء الشباب وأعلّمهم المهارات الأدبية للقصائد. النثر، هو نوع غنائي خاص نادر جدًا في أدبنا، واليوم لا يحظى بشعبية. منذ بداية القرن الحادي والعشرين، انتشر الشعر الحر – القصيدة المفتوحة - في روسيا، وتجلى فيه تأثير الشعر الغربي: التوجه الفكري، والقرب من الكلام اليومي والموضوعات اليومية، وغياب الصور. في التقليد الشعري الروسي، الشعر الحر أقصر، والاستعارة هي أساس حبكتها ووسيلة التعبير الرئيسة فيه. 
التقليد الغربي للشعر الحر لم يتجذر في بلادنا. بالنسبة للشعر الروسي، فإنَّ المقطوعات الصوتية أكثر خصوصية وعضوية، الأساس الموسيقي للشعر نفسه يحمل معاني عظيمة، لدرجة أن يكشف عن الصور الفردية. ويفضل الشعراء الشباب الشكل التقليدي، مدركين أن ذلك يساعد في الكشف عن المعنى العميق.
الصعوبات، ربما تكون تلك هي التي تواجهها المواهب الشابة. يتمتع الشعراء الشباب اليوم بفرصة التواصل وتعلم المهارات، والمنافسة في المسابقات، فتنشر القصائد في المجلات والمجموعات الأدبية. تقليديًا تخصص كل مجلة -تقريبًا سنويًا- عددًا أو نصفه لإصدارات الشباب. هناك منح لنشر الكتب الأول. الكتّاب الشباب في روسيا نشطون للغاية. لقد أنشأوا مجلس الكتاب الشباب في اتحاد الكتاب في روسيا، وعقدوا اجتماعات ومهرجانات كبيرة في جميع أنحاء البلاد، وأداروا استوديوهات أدبية للأطفال، ونشروا في المجلات، وفتحوا منشوراتهم الخاصة على الإنترنت. هذا جيل قوي وحيوي. منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأت فكرة أن الشعر ما هو إلا تعبير عن الذات ليتم زجهُ بنشاط في المجتمع. هذه الأنانية الأدبية ليست نموذجية بالنسبة لنا، فالشاعر في التقليد الروسي (وكذلك في التقليد العربي على ما أعتقد) هو تعبير عن مشاعر وأفكار الناس - عندها فقط تصبح مهمة ويبدأ الشعر في الظهور بصوتٍ كامل.