سعد العبيدي
لا يختلف اثنان يعيشان على سطح هذه الكرة الأرضية بشأن أهمية التعليم في تطوير الأمم وانعاش الاقتصاد وتوفير سبل عيش ورفاه أحسن، ولم يتأخر أحد من أبناء هذا العصر عن ارسال أولاده الى المدارس ومراكز التعليم ليكتسبوا المعرفة التي تؤهلهم لأن يعيشوا بوضع أحسن، والخلاف الموجود في واقع الحال فقط في التقدير الذي يضعه السياسيون أي الحكام لدور التعليم والتخصيصات المالية من الميزانية العامة له مجال من عدة مجالات.
في العراق ومنذ تأسيس الدولة عام 1921 ، لم تخصص الحكومات المتعاقبة في موازناتها المال الكافي للتربية والتعليم بالمقارنة مع الصرف على الجيش والامن ورفاه المسؤولين، حتى أولئك الحكام الذين شهدت فترة حكمهم قفزة في الواردات المالية منتصف السبعينيات، وسعوا الى القضاء على الأمية، لم يكملوا بناء المدارس حسب الحاجة، ولم يعززوا مشاريع البحث كما هو مطلوب، وأول عمل عملوه بعد أن شعروا بضيق الموارد المالية بعد دخولهم حرباً قاتلة مع ايران هو إيقاف البعثات الدراسية، ومنع الاشتراك بالدوريات الأجنبية، وتحويل عناوين الأطاريح الى مواضيع سياسية تمجد الفرد وحزبه القائد، وغيرها أمور أثرت كثيراً في العملية التعليمية، وأعاقت نموها المطلوب.
واذا ما انتقلنا بالزمان من ذاك الذي يحكمه شخص واحد الى هذا الزمان الذي تحكم فيه أحزاب وكتل ينتخبها المواطن صاحب المصلحة في التطوير، نجد ان المحصلة ذات الصلة بالتربية والتعليم هي ذاتها، لم تتبدل اذ لم يعر المسؤولون لهذا الشأن في هذا الزمان أي اهتمام للتعليم، فمدارس الطين بقيت كذلك من طين، والطاولات التي كانت موجودة في مدارس الطين وغيرها، لم يُدَق فيها مسمار للترميم، ومواضيع الأطاريح تغيرت فيها العناوين فقط من تمجيد الفرد الحاكم الى تعزيز الرؤى المذهبية والذاتية التي تعيق النمو والتطوير، وبدلاً من التطوير خطوات الى الأمام رجع التعليم الى الوراء عدة خطوات.
صحيح ان العراق يواجه حرب إرهاب استنزفت ميزانياته، وصحيح ان رواتب موظفيه قد تضخمت في ظل تسابق سياسي لكسب الأصوات، وصحيح هناك أولويات لإعادة البنى التحتية، وبناء ما دمرته الحرب والإرهاب، لكنها جميعاً لا تحول دون جهد يفترض أن يبذل مالياً وادارياً لانعاش العملية التعليمية التي يقال عنها انها تحتضر، كما ان الموارد المالية التي انقسمت لإسعاد شرائح من المجتمع العراقي قيل عنها تضررت، ومقادير المخصصات الخاصة بالمسؤولين، وأعداد الحمايات، لو أعيد تنظيمها وتحديدها من جديد، لكان لها أن تسهم في إعادة البنية التحتية للتربية والتعليم، ولأسهمت في بناء مدارس ومختبرات واعداد بحوث وارسال بعثات، وبما يؤسس لقفزة في العملية التعليمية، تسهم في تنشئة أجيال هي من سيحكم البلاد وهي من سيحدد مصير العباد في كرة أرضية بات العيش فيها مبنياً على أسس علمية ورقمية حتى في النوم.