الانتحار في العراق ظاهرة دقت ناقوس الخطر

آراء 2021/01/30
...

 مينا مثنى  
 
 
يعرّف علماء الاجتماع الانتحار بأنّه قتل الإنسان لنفسه وإزهاق روحه باستخدام وسائل عدّة كاستخدام السم، او السقوط من مكان مرتفع او استخدام الاسلحة والادوات الحادة .
وحسب الاحصائيات الاخيرة فان هنالك (800) الف شخص يموتون من الانتحار في كل عام, وكل (40) ثانية هنالك شخص في العالم يفكر في الانتحار، وهذه هي الارقام التي اعلنتها منظمة الصحة العالمية (WHO) موخراً ، ومن المتوقع خلال عام 2020 أن يرتفع معدل الوفيات بسبب الانتحار الى واحد كل (20) ثانية , ففي السنوات ال (45) الماضية ازدادت معدلات الانتحار بنسبة (60 %) في جميع انحاء العالم .
اما العراق فلقد احتل المركز الرابع عالمياً في معدلات الانتحار، حيث انتشرت هذه الظاهرة موخراً بنسبة كبيرة بين صفوف الشباب والفتيات . ويعلل اصحاب الاختصاص الاسباب وراء الاقدام على الانتحار الى الاكتئاب والحالة النفسية، اضافة الى الصعوبات الاقتصادية والفقر وعدم القدرة على تأمين لقمة العيش التي تدفع الكثيرين الى انهاء حياتهم للتخلص من هذه الضغوطات , ناهيك عن الاسباب الاخرى المتعلقة بالمشكلات الأسرية والمخدرات والفشل الدراسي والعاطفي والامراض المزمنة، التي تدفع اصحابها الى التخلي عن حياتهم للخلاص من الالم ! كمرضى السرطان وغيرهم .
ولا تكاد تمر فترة من دون إعلان وسائل إعلام محلية عن تسجيل حالة انتحار في مدينة ما، أو إحباط أخرى، حيث جاءت بغداد في المركز الأول، تليها البصرة، ثم ذي قار .
وتقول المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، إن “أهم الطرق لحالات ومحاولات الانتحار التي وثقتها المفوضية كانت باستخدام السم والشنق والحرق والإطلاقات النارية والغرق”. 
من ناحية اخرى هنالك اسباب اكثر تعقيداً للانتحار وهي المرتبطة بالعقيدة مثل التفجير الانتحاري (تفجير الشخص لنفسه وقتل الاخرين بحجة الدفاع عن العقيدة ) ويعد هذا النوع من اخطر انواع الانتحار لما له من تأثير على الاخرين وليس فقط على الشخص المنتحر وهو ما انتشر ايضا في العراق على مدى سنوات عديدة، لكن الامر ليس بالجديد ففي ستينيات القرن الماضي وتحديداً في عام 1963 شهدت مدينة سايجون الفيتنامية قيام الراهب الفيتنامي “تيتش كوانغ دوك” بإشعال النيران في نفسه حتى الموت وأمام جمع كبير من الناس في أحد الشوارع العامة والمزدحمة، احتجاجا على الاضطهاد الذي تعرض له البوذيون في جنوب فيتنام والتضييق عليهم من قبل النظام الحاكم ومحاولة من الراهب للفت الأنظار لمشكلة الرهبان البوذيين، الذين يعانون تحت نظام ديم الكاثوليكي الذي يحكم في جنوب فيتنام على حساب البوذيين. 
مثل هذه الاحداث وغيرها كثيرة عبر التاريخ، والانتحار هنا مرتبط بالدفاع عن العقيدة والدين وعلى الرغم من بعض حالات التعاطف التي تنالها حالات الانتحار، الا ان فكرة الانتحار فكرة منبوذة ومرفوضة من قبل اغلب الاديان، حيث كانت اغلب الدول الاوربية سابقاً تعاقب على فكرة الانتحار وتحاربه. 
ولا شكّ بأنّ الانتحار هو محرّم في جميع الشّرائع السّماويّة، وقد أكّد الإسلام تحريمه تحريمًا قاطعًا لا لبس فيه، وفي الحديث الشّريف عن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام قوله (مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا أبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أبَد )
وإنّ علّة تحريم الانتحار شرعًا أنّ الله سبحانه وتعالى هو صاحب الرّوح التي استودعها جسد بني آدم، فالإنسان لا يملك حق التّخلص منها لأنّها أمانة عنده، ولأنّ الله تعالى هو وحده صاحب الحق في اخذها . 
 
ويعتقد مختصون أنه من الضروري الوقوف على الاسباب الرئيسة للانتحار ومعالجتها وإلا فإن الامر سيتحول إلى ظاهرة في العراق .
في الوقت نفسه طالب نشطاء الحكومة والبرلمان الى الاسراع في وضع حلول جدية لمعالجة ظاهرتي الانتحار والعنف الأسري والحفاظ على الاستقرار الأسري في المجتمع، والوقوف على الاسباب الحقيقية التي تدفع الشباب والفتيات الى الانتحار، اضافة الى تسليط الضوء على مخاطر هذه الظاهرة وكيفية الحد منها بإنشاء مراكز التأهيل النفسي وتشكيل فرق وطنية بالتعاون مع المنظمات الانسانية ووزارة الصحة لزيادة الوعي في مكافحة الانتحار ودوافعه, وتفعيل دور الاطباء النفسيين من خلال الندوات والمؤتمرات، التي تهدف الى زيادة الوعي حول خطورة مسألة الانتحار ومحاولات الانتحار على الصحة 
العامة.
وعلى المجتمع والدّولة أن تحرص على تأمين الحياة الكريمة للنّاس، وكذلك أن تبثّ المواد الإعلاميّة التي تحمل رسائل تربويّة وأخلاقيّة تحثّ على معاني الصّبر والإيمان، بعيدًا عن الرّسائل التي تبثّ الخوف في صفوف النّاس من المستقبل وتقلّبات الزّمان.
 باحثة اجتماعية