عبد الحليم الرهيمي
فضلاً عن الانشغال بالتمهيد لاجراء انتخابات مجالس المحافظات في 16 تشرين الثاني المقبل من العام الحالي كما حددت ذلك مفوضية الانتخابات، تدور منذ شهور وحتى الآن سجالات، وتطرح أفكارا وتساؤلات حول ما اذا كان من الأفضل للعراق والعملية السياسية الابقاء على هذه المجالس او تقليص عدد أعضائها الى النصف، او الغائها نهائياً كما يقول عدد من أعضاء البرلمان والسياسيين من كتل عدة ومن اختصاصيين مستقلين ؟
لا ريب ان فكرة او مبدأ ايجاد مجالس المحافظات هي فكرة صائبة، كمبدأ بوجه عام، كان الهدف منها ان تشكل جزءاً من أجهزة ادارة الدولة في مرحلة التحول الديقراطي تعضد أداء السلطات الاتحادية وتقدم خدمات افضل للمحافظات وسكانها، وهو الأمر الذي دعا معظم او جميع الدول الديمقراطية الأخذ بها وتطبيقها، غير ان المشكلة والعلة الحقيقية في أزمات مجالس المحافظات في العراق تعود لهذه المجالس ذاتها، حيث اكدت في معظمها خلال السنوات الخمسة عشر الماضية عجزاً مروعاً في ادائها سواء من جهة توفير الخدمات اللازمة للمواطنين، كأول وأهم واجباتها، او سواء في فشلها في انجاز معظم المشاريع المطلوب انجازها، فضلاً عن الانتشار الهائل لآفة الفساد، وافتقادها للاستقلالية تبعيتها للكتل والاحزاب السياسية، اضافة للصراعات المريرة بين اعضائها على المصالح الذاتية والحزبية والامتيازات .
لذلك، اذا ما اخذنا بالرأي القائل بالابقاء عليها رغم علاتها ومشاكلها والفشل الكبير في أداء غالبيتها وتبرير هذا الرأي بامكانية تطويرها وتجاوز سلبياتها في الدورة الانتخابية التالية، فأن ثمة رأي آخر في الاطار ذاته يعتقد بأن تقليص عدد اعضاء المجالس الى نصف الاعداد الحالية سيساعد ربما في تطوير هذه المجالس ويقلص من الهدر المالي غير المبرر في استمرارها ويحد كذلك من الصراعات المريرة بين اعضائها .
اما الرأي الثالث الذي يدعو لالغائها والسعي لتعديل الدستور لتحقيق ذلك فانما يستند الى كل الآراء والانتقادات حول فشل وعجز أداء هذه المجالس، والى صعوبة او استحالة الرهان على تطويرها، لاسيما انها اصبحت بذلك حلقة زائدة في اطار مؤسسات الدولة ولم تحقق الهدف المرجو من النص على تأسيسها في دستور العام 2005 وان بقاءها سيزيد من حدة واحتدام الصراعات بين اعضائها ويزيد بالتالي، من حالة التقصير والعجز في أداء الخدمات والمشاريع الضرورية لخدمة مواطني تلك المحافظات، فضلاً عن العجز في تطوير البنى التحتية العمرانية والصحية والتعليمية والاجتماعية للمحافظات كما دللت على ذلك السنوات الماضية.
ويطرح القائلون برأي الغاء تلك المجالس البديل الذي يعتقدون بأنه البديل المناسب وتجلى في تعيين المحافظين ونوابهم من قبل الحكومة الاتحادية او البرلمان ويبقون تحت اشرافهم عبر الهيئات الرقابية المركزية المشكلة لهذا الغرض، على ان يساعد المحافظ في عمله وادارته عدد من المستشارين او المدراء، بعد تحديد الجهة التي تقوم بتعيينهم وفق قانون يشرع لذلك، وان تكون مهمات او وظيفة المستشار مثلاً، لشؤون الخدمات وشؤون التعليم وآخر للصحة، او الامن او الاعمار.
لقد كانت تجربة المحافظين (المتصرفين) ابان العهد الملكي تحديداً وبعض العهود التي تلته تجربة ناجحة الى حد كبير انجز فيها (المتصرفون) بأدائهم ما لم ينجزه (جمهور مجالس المحافظات) والمحافظون (المنتخبون) من جانبهم .
واضافة الى تجربة (المتصرفين) والمحافظين العراقيين الناجحة، يمكن الاستفادة من تجربة المحافظين الناجحة مثلاً في مصر خلال عهد الرئيس الاسبق حسني مبارك، وحتى التجربة في تركيا المعاصرة .. وهنا يمكن القول في حيوية اي تجربة ادارية او حكم هي الجرأة في التغيير وتجاوز الاخطاء والفشل اللذين يبرزهما ويؤكدهما الواقع وهذا ما نحتاج اليه!