د. كريم شغيدل
مواطن الفساد للأسف الشديد لم تعد سرية أو خافية على أحد،
لا أقول إن الفساد بمختلف أنواعه وليد اليوم، أو هو وليد الحقبة التي تلت سقوط الدكتاتورية، بل هو موجود ربما منذ الخليقة، فلو لم يكن موجوداً لما قال رسولنا الأعظم (ص): لعنة الله على الراشي والمرتشي، ولما قال من غشنا ليس منا.
وقد مرَّ ذكر بعض أنواع الفساد في القرآن المجيد، وهنا لا نريد تبرير الفساد الذي رافق الدولة العراقية منذ نشأتها، لكن لم يكن مفضوحاً ومستشرياً بالصورة التي هو عليها الآن، والاطلاع على حجم الفساد يبعث على التشاؤم واليأس من إقامة دولة قوية، حتى بات من الصعوبة أن يكون المواطن نزيهاً في عالم جله فاسد، المشكلة هناك فساد منظور ومشرعن لا أحد يبالي بمخاطره، فالتعيينات بحسب ادعاء أغلبية المواطنين لا تتم إلا بالواسطة والرشوة، كذلك التنقلات بين أماكن العمل ومؤسسات الدولة وتسنم المناصب، ولا نتحدث عن المشاريع الوهمية والصفقات التي لا تحيط بها لغة الأرقام إلا بملايين
الدولارات.
ما أن أشيع بين صفوف الشباب الخريجين وجود درجات وظيفية في مديريات التربية حتى ظهر متعهدون تزاحم على بيوتهم عشرات ممن يستطيعون دفع ستة آلاف دولار مقسمة على دفعتين، نصف المبلغ مقدماً والنصف الثاني عند صدور أمر التعيين، وبلا أدنى خوف من أي رقيب، الأمر الذي أشاع اليأس بين أغلبية أولئك الخريجين الذين يتحينون الفرص للحصول على وظيفة، وهنا نتساءل: أين دور الجهات
الرقابية؟! ألا تستطيع نصب كمائن لأولئك المتعهدين؟
ويبدو أن الفساد وباء وليس مرضاً يمكن الوقاية منه، ونادراً ما يصادفك موظف نزيه، ابتداء من عامل النظافة الذي يطرق بابك طلباً للإكرامية، بعض المناطق تمت فيها خصخصة الأزبال من قبل متعهدين يمتلكون كابسات أهلية، ويقومون بمنع دخول الكابسات الحكومية، أو عمال الكهرباء الذين لا يصلحون العطب إلا بعد أن تتعهد لهم بجمع مبلغ من أهالي المنطقة، كذلك عمال المجاري، ولا نتحدث عن بعض المتنفذين الذين استولوا على أراضي الدولة ووزعوها وربطوا خدماتها بخدمات المناطق الأصولية بقوة السلاح.
هل الفاسد يعلم بأنه فاسد؟ سؤال ساذج أليس كذلك؟ نعم يعلم لكنه في أحسن الأحوال يبحث عن مبررات لفساده، وطالما أنه كلما فسد أكثر ازدادت مكانته الاجتماعية والوظيفية وتنعم بالامتيازات فما الضير؟
سواء علم الآخرون أم لم يعلموا، لكن الأمرَّ والأدهى أن المجتمع موقفه سلبي بإزاء الفاسدين، يجاملهم ويحميهم ويدافع عنهم ويبرر لهم ويبارك أعمالهم، بدلاً من أن ينبذهم، فالمنتفعون من الفاسد أكثر من المنتفعين من النزيه،.
الفاسد ينفق على البعض ويتوسط لهم ويقربهم من السلطة ويقضي حوائجهم ويلتف على القوانين ويتجاوزها من أجل منافعهم، فهل يتحمل المجتمع وزر بعض الفساد الذي تتحمل الحكومات المتعاقبة الجزء الأكبر منه؟