حياة حافلة بالإنجازات.. الموت يغيّب المؤرخ كمال مظهر أحمد

منصة 2021/03/18
...

بغداد: الصباح
توفي المؤرخ الكردي، كمال مظهر أحمد، أمس الأول الثلاثاء، في أحد مستشفيات ألمانيا عن عمر ناهز 84 عاماً جراء مرض عضال.  وأعلنت أسرة المؤرخ في بيان نعي وفاة البروفيسور د. كمال مزهر في مدينة بون الألمانية، بعد صراع مع مرض عضال "ليسدل الستار على حياة حافلة بالإنجازات".
وأشار البيان إلى أنَّ الراحل "كرس حياته لخدمة شعبه، وبذل كل ما يملك من دون كللٍ من أجل إظهار الجانب الخفي من تاريخ كردستان"، مبيناً أنَّ المؤرخ كمال مزهر "نقل المئات من الوثائق المهمة من الأدراج والرفوف الغابرة في الدول الآسيوية والأوروبية والعديد من الدول الأخرى ليضعها أمام شمس الحقيقة وكان يقوم بشكلٍ علميٍ بتصحيح وتقويم الجوانب الخفية بما لا يفسح المجال للإنكار لجميع من يريدون فهم التاريخ الكردي وكذلك الذين يتآمرون على التاريخ.. ناهيك عن العديد من الكتب القيَمة التي تركها في رصيده والتي تجسد الجهود الحثيثة لهذه القامة التي تحلت بالإيثار".
كمال مظهر أحمد
ولد الدكتور كمال مظهر أحمد الحاج رسول في قرية اخجلر وهي في ناحية تابعة للواء كركوك سنة 1937. كان والده ضابط شرطة، أنهى دراسته الثانوية سنة 1955 ودخل دار المعلمين العالية (كلية التربية في ما بعد) ببغداد وتخرج فيها سنة 1959. وقد حصل على البكالوريوس في التاريخ بمرتبة الشرف سنة 1959.
سافر الى الاتحاد السوفييتي السابق لإكمال دراسته العليا وحصل على الدكتوراه سنة 1963 من معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم السوفييتية. ولم يقف عند هذا الحد، بل استمر للحصول على دكتوراه ناؤوك من المعهد ذاته سنة 1969 وهي أعلى شهادة معروفة في الاتحاد السوفييتي آنذاك.
عاد الى العراق وعمل مدرساً في قسم التاريخ بكلية الآداب ورقي إلى مرتبة الأستاذية سنة 1981. أعيرت خدماته إلى المجمع العلمي الكردي وشغل منصب الأمين العام ومساعد رئيس المجمع للشؤون العلمية بين سنتي 1971 و1975. كتب عنه الأستاذ حميد المطبعي في موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين (الجزء الأول، بغداد، 1995).
أشرف على العديد من رسائل وأطروحات الدراسات العليا في جامعات عديدة وكانت معظم هذه الرسائل والأطروحات تدور حول الشؤون الإيرانيَّة وقضايا تاريخ العراق المعاصر والسياسة التركية ومسائل الفكر والاستشراق والشخصيات التي قدر لها أنْ تقوم بدور مهم في تكوين العراق الحديث والمعاصر.
كان الأستاذ الدكتور كمال مظهر أحمد يؤكد باستمرار على أهمية الأخوة العربيَّة الكرديَّة ليس على مستوى الوطن فحسب وإنما على المستوى القومي. ومما كان يصرح به باستمرار أنَّ الكرد كسبوا بعد دخولهم الدين الإسلامي الشيء الكثير فلقد ((تحولوا إلى عنصر مهم. من عناصر بناء الحضارة العربية الإسلامية والشواهد في هذا المضمار أكثر من أنْ تحصى ومنها مثلا جيش صلاح الدين الأيوبي، فالمؤرخ عماد الدين الكاتب والمؤرخ ابن الأثير الذي قلما يلتقي مع عماد الدين كاتب صلاح الدين الأيوبي في هكذا قضايا يؤكد أنَّ نحو نصف جيش صلاح الدين الأيوبي كان من المتطوعين الكرد وهناك شواهد أخرى كثيرة...)).
 
مؤلفات بالعربية والاجنبية
ومن مؤلفات المؤرخ الكردي الراحل، المطبوعة، كوردستان في سنوات الحرب العالمية الأولى (طبعتان 1977 ـ 1984)، وثورة العشرين في الاستشراق السوفييتي (1977)، وأضواء على قضايا دولية في الشرق الأوسط (1978)، ودور الشعب الكردي في ثورة العشرين العراقية (1978)، والنهضة (1979)، والطبقة العاملة العراقية (1981)، وميكافيلي والميكافيلية (1984).
ومن مؤلفاته أيضاً: صفحات في تاريخ العراق المعاصر (1987)، وكركوك وتوابعها: حكم التاريخ والضمير (2004)، وتحقيق مذكرات أحمد مختار بابان (1998).
* مؤلفاته باللغات الأجنبية (الروسية والإنكليزية والفرنسية والتركية والفارسية) فكانت اثني عشر كتاباً، وقد أحصى أحد الباحثين جميع مؤلفات الأستاذ الدكتور كمال مظهر أحمد بجميع اللغات حتى سنة 2009 فكانت بحدود خمسين كتاباً.
له مشاركات في اكثر من 12 مؤتمراً علمياً في روسيا وفرنسا وتونس وقطر.
 
محب للتاريخ
بشأن ميله للتاريخ واهتمامه به قال إنَّه أحبب التاريخ بتأثير مدرس اسمه محمد حوييس درسه في كويسنجق وقد أصبح هذا في ما بعد عضواً في المجلس التشريعي لكردستان العراق.
وفي المرحلة الجامعيَّة تأثر بمجموعة من أساتذة التاريخ المعروفين أبرزهم الأستاذ الدكتور زكي صالح والأستاذ الدكتور مجيد خدوري. كما تعلم من علي حيدر سليمان، وأعجب بكتاباته، لا سيما كتابه الذي ألفه سنة 1929 وكان كتاباً مدرسياً لطلبة الصف الثالث المتوسط وعنوانه (المدنية الأوربيَّة).
وقد أكد الراحل في حوار مؤخراً على إحدى الفضائيات العراقية أنه يعكف حالياً على تقويم ما تعارف عليه المؤرخون وخاصة في ما يتعلق بتاريخ العراق المعاصر ومن ذلك مثلاً أنَّ هناك شخصيات عراقية خدمت العراق لكنها تعرضت للظلم وأبرزها شخصية الملك فيصل الأول وشخصية نوري السعيد وشخصية الدكتور محمد فاضل الجمالي. ويحمِّل الدكتور كمال مظهر أحمد كل القوى السياسية الفاعلة خلال المدة الواقعة بين سنتي 1958 و2003 مسؤولية التقاتل والاختلاف، وأضاف "كان ينبغي أنْ يبقى الجميع في خندقٍ واحدٍ لأن ما يجمعنا هو أكثر من الذي يفرقنا"
ويعيب الدكتور كمال مظهر أحمد على تلك القوى بأنها اندفعت باتجاه الانفعال وابتعدت عن المساومة، والمساومة لا تنتقص من الكرامة ونحن اليوم بحاجة الى الحكمة، وعندما اقتضت الحاجة ومصلحة الإسلام دخل الرسول محمد "ص" في مفاوضات مباشرة مع قريش (من دخل دار ابو سفيان فهو آمن) على الرغم من أنَّ عم الرسول قد قتل من قبل ابي سفيان، فالرسول الكريم دخل في المساومة من أجل رفعة الدين الإسلامي، فلا سياسة من دون مساومة، التكتيك في العمل اليومي والثبات في الستراتيجيَّة.
 
توثيق التاريخ الكردي
اهتم الاستاذ الدكتور كمال مظهر احمد بتوثيق جوانب مهمة من التاريخ الكردي الحديث، وأبرز دور الصحافة الكردية ومن ذلك كتابته عن جريدة (تكيشتن اراستي) أي فهم الحقيقة (بالكردية) وهي صحيفة أصدرها الإنكليز بعد احتلالهم بغداد في 11 آذار 1917.
يؤكد الدكتور كمال مظهر أحمد على الوثائق ولا يغفل أهمية المذكرات وقد ساعد في إصدار مذكرات كل من أحمد مختار بابان وفؤاد عارف لكنه يحذر طلابه وقراءه من الوقوع تحت تأثير أصحاب المذكرات، فالمذكرات مصادر أصيلة ومهمة ولكنْ على الطالب والباحث أنْ يكون سيد مادته وليس عبداً لها.
في ما يتعلق بسقوط الدول يقول الدكتور كمال مظهر أحمد إنه كمؤرخ يؤمن بأنَّ العوامل الداخلية هي الأساس لخلق الحدث التاريخي. أما العوامل الخارجية فلا يمكن إلا أن تكون عوامل مساعدة وفي حال توفر الظروف المناسبة او التربة المناسبة لكي تفعل العوامل الخارجية فعلها. ويضرب على ذلك مثلا فيقول: "عندما يحاولون اليوم إلقاء تبعة انهيار الاتحاد السوفيتي السابق على شخص گورباتشوڤ أو المخابرات الأميركية. فإنني أقول من خلال المتابعة الدقيقة إنَّ المخابرات السوفييتية كانت أقوى بكثير من المخابرات الأميركيَّة حتى أنَّ شخصاً مثل وزير الدفاع الفرنسي في عهد ميتران كان على ارتباط بالمخابرات السوفييتية أو فلبي البريطاني المعروف، ومع ذلك تمكن الغرب من النيل من الاتحاد السوفييتي لأنَّ النيل كان في الانهيار الداخلي. علينا أنْ نعيد النظر في مواقفنا".
ويؤكد الدكتور كمال مظهر أحمد أنَّ المصالح المشتركة تجمع عادة مجموعة من القوميات في إطار شعب واحد. ((وما يجمعنا نحن العرب والكرد أكثر بكثير مما يفرقنا وإنَّ بسطاء الناس يدركون هذه الحقيقة بصورة جيدة".
في مقابلة صحفية قال الدكتور الراحل كمال مظهر أحمد: إنَّ "التاريخ الكردي لم يدرس بعمق وبعلمية على صعيد الوطن العربي إلا ما ندر، بينما نحن بحاجة إلى دراسته بصورة عميقة، والمصلحة تقتضي ذلك وإننا بحاجة إلى إعادة بناء الجسور. ومع ذلك فأنا متفائل وأتوقع أنَّ كل هذه الأمور ستتحول إلى الماضي والى دروس وعبر".) ويشير إلى بيان 11 آذار 1970 المتعلق بحل القضية الكردية في العراق ويقول "بأنه نقطة تحول مهمة".
يقول السيد زهير كاظم عبود في مقال له عن الدكتور كمال مظهر أحمد منشوراً على الموقع الالكتروني (البوابة العراقية) يوم 14 تموز 2005: "إنَّ الدكتور أحمد ليس صاحب تجربة كبيرة في الدراسات التاريخيَّة، وإنما صاحب تجربة فكريَّة وسياسيَّة خاضها ضمن تفاصيل العمل السياسي العراقي".. والباحث يتلمس بحق تمسكه الوطني من خلال اعتزازه القومي بالكرد والذي يشكل رافداً من روافد النسيج الوطني العراقي.
الخلاصة فإنَّ المؤرخ الأستاذ الدكتور كمال مظهر أحمد يعدُّ معلماً من معالم المدرسة التاريخيَّة العراقيَّة المعاصرة، وقد عُرِفَ منذ سنوات بعيدة، أستاذاً مقتدراً، وباحثاً أصيلاً، والاهم من ذلك كله إنساناً فاضلاً.
 
التكريم
كرم الدكتور كمال مظهر في العراق من بيت الحكمة وهو مؤسسة فكرية كبيرة (تشرين الثاني 2002) مع نخبة من المفكرين والعلماء والمبدعين.
- كرم عام 2010 من قبل وزارة الثقافة والشباب بحكومة كردستان وبالتنسيق مع اتحاد أدباء واتحاد صحفيي كردستان، ومكتب المنظمات الديمقراطية.
- أقامت مؤسسة المدى له حفلاً تكريمياً في مقر المؤسسة في شارع المتنبي في يوم الجمعة الثاني من كانون الأول 2011.
- كرّم عام 2016 بوسام التميز العالي لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي تقديراً لجهوده في تطوير الحركة العلمية في العراق على مدى أربعة عقود كاملة وما قدمه من خدمات لأجيال من المؤرخين وأساتذة الجامعات وطلاب الدراسات العليا في العراق.
ألقى محاضرات على طلبة دراسة البكالوريوس فـي المراحـل الثانيـة والثالثة والرابعة في مواد، تاريخ العراق المعاصر، تاريخ الكرد، تاريخ تركيا الحديث والمعاصر، تـاريخ إيران الحديث والمعاصر، مادة منهج البحث التاريخي في كلية الآداب جامعة بغداد، ألقى محاضرات على (طلبة الدراسات العليا دبلوم عالي وماجستير ودكتوراه) في:-
- معهد شعوب الشرقين الأدنى والأوسط التـابع لأكاديميـة علـوم أذربيجان السوفيتية
- معهد البحوث والدراسات العربية التابع لجامعة الـدول العربيـة
- المعهـد العـالي للدراسات القومية والاشتراكية بالجامعة المستنصرية
- معهد التاريخ والتراث العلمي العربي
- كلية الـدفاع الوطني بجامعة البكر في مواد دراسات في تاريخ العراق الحديث والمعاصر.
حضر جميـع المـؤتمرات والندوات التاريخية التي عقدت في موسكو وباكو أثناء دراسته في الاتحاد السوفيتي في المدة بين عـامي 1960 و1970.
* شارك في معظم المؤتمرات التي أقامتها الكليات الإنسانية التابعة للجامعات العراقيـة، وفي العديد من المؤسسات العلمية والثقافية.
 
مثواه العراق
وفي السياق وجه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بنقل جثمان المؤرخ والعلامة العراقي "كمال مظهر أحمد" من ألمانيا إلى العراق.
وقال الكاظمي في بيان تعزية: "رحل عن عالمنا المؤرخ والعلامة العراقي الدكتور كمال مظهر أحمد، بعد صراع طويل مع المرض، وبرحيله يكون العراق قد فقد علمًا بارزًا من أعلام الفكر والثقافة والتاريخ".
وأضاف "لقد حفلت سيرة الراحل بالمنجزات الأكاديمية، وبالعطاء الثر الغزير في مجال بحثه، كما ترك إرثًا غنيًا من البحوث والكتب والدراسات التي أغنت الحياة الفكرية العراقية، فضلًا عن إشرافه وتدريسه لعشرات الأكاديميين والرسائل الجامعية".
ووجه الكاظمي بأنْ "تتكفل الجهات الحكومية الرسميَّة نقل جثمان الراحل من ألمانيا الى مثواه الأخير في وطنه العراق".