سجاليات الأسعار!

الصفحة الاخيرة 2019/02/11
...

 جواد علي كسّار
استبدلتُ «استراتيجية» تعاملي هذه الدورة من معرض كتاب بغداد مع ظاهرة غلاء الأسعار، فبدلاً من مشاعر الحنق والغضب، وقرار المقاطعة السلبية بعدم الشراء (وهو القرار الذي تهاوى سريعاً وأصبح نسياً منسياً!) بادرتُ إلى «الحوار الايجابي الهادف» مع عدد من الناشرين عن الظاهرة، عسى أن أكتشف أسباباً معقولة، تفسّر لنا هذا الغلاء الفاحش للكتب عند أغلب الناشرين، ولا أعمّم!
انطلقتُ مع مؤسّسة تراثية عريقة، أعرف صاحبها وإدارتها، وأعلم علم اليقين أن آخر ما يفكر به صاحبها هو الربح المادي من وراء المعرفة، وأنه نذر نفسه لإحياء التراث ومرّ في سبيل هذه الرسالة بأزمات مالية خانقة واكبتُ بعضها، وما حاد أو انكفأ. سألتُ مندوبها في المعرض عن دورة حديثية، هي «وسائل الشيعة» فذكر لي مبلغاً كبيراً، مقارب لسعرها التجاري في السوق؛ فاعترضتُ وأوضحتُ للمندوب أن التي بين أيدينا هي الطبعة الرابعة، ومن ثمّ ليست هناك أجور تحقيق، وسعر الطباعة منخفض لأنها طبعة مصوّرة من دون إلى ألواح حساسة وأفلام جديدة، ما يعني بالضرورة انخفاض سعرها، وهو ما لم يحصل!
تكرّرت القصة ذاتها مع مركز دراسات الوحدة العربية، فطبعات بعض كتبه تتجاوز الطبعة الخامسة وأكثر، ومع ذلك تجد الأسعار نفسها، وأحياناً في تصاعد كما جرّبت ذلك بنفسي، بالمقارنة مع بعض الكتب الموجودة في مكتبتي، حيث لاحظتُ ارتفاع أثمانها، مع أن المفروض وفق قانون الطبعات المتكرّرة، أن تنخفض قيمة هذه الكتب!
استوقفتني مبادرة واحدة من الدور العربية العريقة والمشهورة، بطباعة مجموعة محاورات مع المفكر العميق والمعرفيّ الراحل عبد الوهاب المسيري (ت: 2008م) وقد سرتني المبادرة، خاصة وأنها خصّصت لكلّ موضوع، كتاباً مستقلاً. ولكن باغتتني الأسعار المرتفعة، مع أنني لا أشكّ بنزاهة الرسالة المعرفية لهذه المؤسّسة التي واكبتُ كتبها منذ أكثر من أربعة عقود، وقد اعترضتُ على مندوبها، بأن كلفة الكتاب الواحد من هذه الكتب لا تتجاوز مع حقّ افترضته لورثة المؤلف، الدولارين ونصف الدولار، فلماذا يُباع بثلاثة أضعاف كلفته وأكثر! احتجّ المندوب بمصاريف النقل وأجار الجناح والإقامة في الفندق، فسألته عن كلفة الكتاب في بيروت حيث مقرّ الدار، فذكر لي سعراً يقلّ بدولار واحد عن سعره في المعرض، فأُسقط بيده!
أغرب الغرائب هي كتب مؤسّسة ثقافية في دولة خليجية، مكتوب عليها أنَّ ثمن الكتاب، هو ما يعادل دولاراً واحداً في البلاد العربية ومنها العراق، ومع ذلك يصرّ البائعون على تقاضي ثلاثة آلاف دينار عراقي؛ أي نحو دولارين ونصف!
كلّ شيء يؤكد أنَّ الكتاب تحوّل إلى سلعة، الخاسر فيها القارئ، ولا يستفيد منها المؤلف، بل الناشر وحده. ومع ذلك تسللت البهجة إلى نفسي حين ذكر لي أحد الناشرين، بأنَّ المصريين دمّروا الكتاب، بطبعاتهم الرخيصة، فقلتُ له شامتاً: مرحى بهذا التدمير!