سالم مشكور
ولادتي في عام 1959 كانت في عائلة دينية، لكنها كانت قاسمية أيضا، ليس لأنها رحبت بالإطاحة بالحكم الملكي، انما تأثراً بنزاهة "الزعيم" وخطواته التي اتخذها آنذاك لمصلحة الفئات الفقيرة. وصادف أن ولدت بعيد نجاة قاسم من محاولة الاغتيال فكان اسمي تيمّناً بسلامته، لكنني أتساءل دائماً: هل كان انقلاب 58 صحيحاً؟.
في ذكرى الانقلاب على عبد الكريم قاسم الذي نفذه البعثيون ومعهم عبد السلام عارف، يتحرك النقاش، كما في كل عام، بين مؤيدين محبين لقاسم ومعارضين له ممن يرفضون الانقلاب الذي قام به في تموز 1958 والذي أطاح بالحكم الملكي. المدافعون عن قاسم يتعاملون بعاطفية أحياناً وثورية غير عقلانية تارة أخرى، وبالتالي هم ممن تربوا في عراق سيطرت عليه الأحزاب "الثورية" التي لا تصل الى السلطة الا بالانقلابات، والتي بنت وعياً عامّاً سلبياً تجاه العهد الملكي ورموزه ووضعتهم في خانة العمالة والتبعية. معارضو قاسم لا يختلفون مع مؤيديه في الإشادة بنزاهته ونظافة يده، انما يعارضونه بسبب غياب الحكمة في سلوكه، وتشريعه مبدأ الانقلابات التي أوصلت العراق الى ما هو عليه اليوم. المعارضون يرون أن العراق كان يسير في اتجاه تكامل تجربته الديمقراطية إبان الحكم الملكي التي لو استمرت لكان العراق اليوم في وضع أفضل بكثير مما هو عليه الان، خصوصا انهم يرون أنظمة ملكية تنعم بلدانها بالاستقرار الأمني والاقتصادي، رغم قلة ما لديها من موارد وثروات طبيعية.
هل النزاهة تكفي لتولي منصب قيادي، أو حتى إدارة مرفق عام؟.
في مجلس إدارة مصنع كبير في احدى الدول الإسلامية قرروا تعيين شخص صغير السن قليل الخبرة كمدير عام خلفا لشخص مُقال. حجّة من يدعمونه هي انه شخص خلوق ومتدين. أحد الأعضاء من أصل عراقي امتعض وتدخل ليقول: أنا أرشح والدتي العجوز لهذا المنصب. نظروا اليه باستغراب فهم يعلمون ان والدته غير متعلمة. رد عليهم بالقول: إذا كان معيار تنصيب المدير العام لمصنع استراتيجي كهذا هو الاخلاق والالتزام الديني فقط فوالدتي لم تترك قيام الليل منذ ستين عاما، والجميع يشهد لأخلاقها العالية. ضحك الجميع وتخلّوا عن دعمهم للمرشح الخلوق.
القيادة فن، وخبرة. تحتاج الى الكثير من الأدوات والسلوكيات العلمية وأخرى تناسب طبيعة المرؤوسين ومستواهم. والنزاهة والخلق مطلوبان لكنهما لا يكفيان. الراحل عبد الكريم قاسم نظيف نزيه مخلص لكنه ابتدع سنّة الانقلابات، واطاح بحكم ربما كان سيوصلنا الى أفضل مما نحن فيه.