الدولة مؤسسة وطنية تقوم على إرادة مواطنيها الذين تجمعهم علاقات واعية ومركّزة وتفاعلية، فليست الدولة شكلاً بدائياً للسلطة أو تجمعاً عفوياً للأفراد على غرار سلطة القرية أو علاقات القبيلة. الدولة جوهر ومظهر للإرادة العامة الواعية التي تنتجها التفاعلات التاريخية المجتمعية السياسية الاقتصادية الثقافية عبر زمن الدولة، وهذا الجوهر لن يكون تكاملياً إلاّ بقواعد تفاعل اجتماعي سياسي اقتصادي ثقافي مستمر وديناميكي، وهذا ما نسمّيه بالتضامن.فالتضامن هو التفاعل الإيجابي الدائم بين جميع مقومات الدولة من مواطنين ومسؤولين ومؤسسات تطول جميع شؤون الدولة، والتفاعل يعني هنا علاقات تضامنية تقود لتكامل الأدوار والوظائف المشتركة بين جميع مكونات الدولة، فدونما تفاعل تضامني دائم تفشل الدولة.
قوة وصلاح وجمال الوطن مقترن دوماً بالتضامن الوطني الذي يعكسه التوافق والترابط والمسؤولية المشتركة بين مجتمع وسلطات ووظائف الدولة، فلا يمكن للوطن أن يتقدم إذا ما غاب دور أي من مقومات الدولة أو عجز عن تأدية مهامه،.. خذ مثلاً السلطة السياسية في الدولة، أو ليست السلطات السياسية هي نتاج وعي الناخب وإرادته؟ أو ليست استقامتها بالرقابة والمحاسبة مسؤولية مجتمعية؟ والأمن، أليس هو مهمة وطنية تضامنية؟فالسلطات المعنية بوظيفة الأمن لن تحققه بجهدها فقط دونما وعي ومشاركة وحرص وتضامن المجتمع معها ليتكامل ويسود. كذلك، فالبيئة الصحّية السليمة ليست شأناً بلدياً صرفاً، بل هي شأن المواطن أيضاً ومسؤوليته ومشاركته بخلق بيئة صحّية ينعم بها مجتمع ومدن الدولة. وهذا هو حال باقي وظائف الدولة من تعليم وصحة وخدمات وحتى دفاع وسيادة.
لا بد من مؤسسات حكومية كفوءة ومخلصة بأداء وظائفها، لكن أيضاً، لا بد من مجتمع إيجابي ومتعاون بالتعاطي مع أداء هذه المؤسسات، فالدولة لن تتكامل بمؤسسات كفوءة ومجتمع خامل سلبي متمرد شعاره (آني شعليه)، والدولة لن تتطور بمواطن غارق بفرديته وأنانيته ولا علاقة مسؤولة له بالنحن التي هي تعبير عن المجتمع والدولة،.. والتضامن يتجسد هنا، في النحن المجتمعية الدولتية، فالقانون والمؤسسة والشارع والرصيف والمدرسة والمصنع.. الخ هي تعابير النحن الوطنية التي لن تستقيم إلاّ بالتضامن والمسؤولية المشتركة. إنَّ نجاح الدولة هو نتاج تضامن ثلاثي: الحكم المؤسسي الكفوء/ المواطن والمجتمع الفعّال/الاستجابة الدائمة للتحديات.
لا وجود لدور أو وظيفة في الدولة لا يخضعان للتضامن المشترك بين مواطنيها وسلطاتها ومؤسساتها، ولن ينعم مجتمع الدولة بالدولة إلاّ بتضامن الجميع لأداء وظائفهم بالدولة، وكلما ساد التعارض والسلبية والتحلّل تفسخت الدولة وانهارت، حتى محاولات إصلاح الدولة إنما هي تعبير تضامني إيجابي من قبل المجتمع بالدولة، فالدولة مؤسسة أمّة وكيانها الوطني وليست ملك حاكم واقطاعية حزب وإرث نخبة، والتضامن معها هو انتصار لها وبها.
التضامن يتناسب طردياً مع موقع ووظيفة ومسؤولية الفرد أو الجهة، فالنخب السياسية والإقتصادية والمجتمعية والثقافية والإعلامية والتربوية والأكاديمية مطالبة أكثر من غيرها بتضامن فعّال لضمان تكامل وظائف الدولة،.. فكما الدولة بأمّتها الحيّة هي أيضاً بنخبها المسؤولة الفاعلة، وعلى الأخص نخبها وقواها السياسية المعنية بفعل الدولة، وموت التضامن جراء النرجسيات أو التحلّل أو السلبية هو موت لحيوية الدولة،.. فالدولة بالتضامن تحيا وتتقدم وليس بشعار: آني شعليه!!.