ركائز المؤسسة المنتجة
آراء
2019/02/13
+A
-A
د. م. علي داود العطار
يعتبر منهج التقييم والتقويم المستمر للأنظمة المختلفة، الأسلوب الصحيح في إطار التنمية والتطور وذلك من خلال مراجعة التجربة وتقييم نجاحاتها واخفاقاتها وتقويم مقومات النجاح ومعالجة مواطن الإخفاق والفشل .
فالعملية التنموية هي عملية تكاملية تتطور تدريجياً وتعتمد سرعتها على نمط إدارة القائمين عليها وتوفر الأدوات المطلوبة وطبيعة النظام المستهدف في هذه العملية. بعد مرور عقد ونصف من عمر النظام الجديد اصبح لزوماً على الجميع مراجعة هذه التجربة وتقييمها وتقويمها و كل في المساحة المرتبطة به.
حيث ان النجاحات المتعددة وسبل استثمارها تنموياً وتطويرها موضوعياً وأيضا حالات الفشل المتلاحقة على المستوى السياسي او الخدمي او الاجتماعي بكل جوانبه كلها تشكل مادة مهمة وأساسية لعمل تقييمي تقويمي يتوجب علينا القيام به بحيوية وفاعلية من دون إحباط أو تراجع. من المسؤول عن إدارة عملية التقييم والتقويم ؟ ماهي الأدوات اللازمة لإجراء المراجعة والتقييم ؟ ماهي الآلية المستخدمة في استثمار هذه الادوات ؟ ماهو المنهج المتبع لتطبيق هذه العملية سواءً على المستوى الموضوعي أو في مجال ادارة الوقت أو المرحلية المطلوبة وبالتكامل مع الأدوات اللازمة ؟ وهذا يعتمد على ركائز ثلاث .
الركائز الثلاث:
لكل بنيان ركائز يتكئ عليها في مواجهة التأثيرات الداخلية والخارجية. فثقل البنيان يحتاج الى مسند مقاوم يتمكن من تحمله وكذلك صلابة واستقامة هذا المسند تساعدانه على تحمل المؤثرات الخارجية التي من الممكن ان تخل برصانة البنيان وثباته واستمراره في القيام بدوره المفيد والفاعل. وكذا الحال في بناء المؤسسة الفاعلة والمنتجة. كلما تعتمد المؤسسة على ركائز قوية سوف تتمكن من الإنطلاق برصانة وفاعلية، مع ملاحظة خصوصية ان ركائز العمل المؤسسي في نفس الوقت هي أدوات التفعيل والإنجاز والحيوية المستدامة. ومن اهم الركائز :
1 - الطاقة البشرية :
تعتبر الكوادر البشرية العاملة في أي مؤسسة احد اهم ركائزها وفقاً لطبيعة النظام المؤسسي المتبع واختصاص عمل المؤسسة ولا يمكننا تفعيل أية مؤسسة الا بوجود كادر مختص بمجال عمل تلك المؤسسة ومخلص لعمله وتم اختياره وفق معايير علمية وموضوعية. وكذلك الحال بالنسبة للجماعات المستهدفة من قبل المؤسسة في عملها. فإن الهدف الوجودي للمؤسسة هو تقديم الخدمات لشريحة أو أخرى من المجتمع وفقاً للهدف المرسوم لها. كما لإستعداد واهلية هذه الشريحة للتعامل والتعاطي مع المؤسسة الخادمة واستثمار خدماتها والاستفادة الأمثل منها الدور المهم في فاعلية تلك المؤسسة. ففي هذا الحال سيكون الإنجاز تكاملياً بين المؤسسة العاملة والمستفيدين منها من خلال منطق التكامل والتفاعل.
2 - الأدوات المادية :
والقصد منها جميع المستلزمات المطلوبة لقيام الكادر العامل في المؤسسة سواءً على مستوى الأموال المطلوبة للقيام بالدور المرسوم للمؤسسة او على مستوى البنية التحتية من منشآت وآليات وأدوات وغيرها مما توفر الوسائل اللازمة للعمل. فبمعزل عن آلية توفير الأدوات وسبل استثمارها الأمثل سواءً بتدبير داخلي او بتوفير من خارج المؤسسة، فإنه لا إنجاز دون توفير الأموال اللازمة لها وكذا الحال بالنسبة للمستلزمات الأخرى المطلوبة للأداء الملائم لأهداف المؤسسة.
3 - النظام:
لايختلف اثنان على اهمية وجود النظام في كل منظومة نريد ان تكون فاعلة منتجة. فلا إنتاج دون النظام الذي يؤدي اليه. وكذا الحال في العمل المؤسسي الذي يتوجب البرمجة والتخطيط لجميع خطوات عملها، بدءاً من انطلاق الفكرة والرؤية العامة وانتهاء بإنتاج المنتج وفقاً للهدف الغائي لتكوين تلك المؤسسة . كما يتوجب إعداد هذا النظام من حيث الصرامة أو المرونة في التعامل مع مفاصل عمل المؤسسة، وفقا لذات الهدف. فالقوانين والتعليمات والأنظمة والسياقات المدونة لعمل المؤسسات المختلفة تشكل المنهاج الذي يتبعه العاملون فيها من كوادر مختصة بعمل المؤسسة واستثمار الأدوات المادية لتقديم المنتج النهائي المطلوب وهي البوصلة التي تحدد مسار الحركة نحو الهدف المقصود. فاغلب مانعانيه من فوضى او تخبط او اجتهاد في اتخاذ القرار هو نتيجة تهالك أنظمة قديمة دون التكيف مع تطورات العمل المؤسسي أو عدم تلاؤم النظام مع أهداف المؤسسة والمتطلبات التي تستوجب تلبيتها.
ترتبط بالركائز الرئيسة المذكورة مجموعة ركائز ثانوية تتأثر بطبيعة مهمة المؤسسة. كما يتوجب على المؤسسة المراجعة وإعادة التقييم للكوادر وفاعليتهم والاستثمار الأمثل للأدوات المتخذة والتقييم المستمر لمدى فاعلية الأنظمة لتتمكن من الحفاظ على حيوية المؤسسة ونشاطها.
ونود ان نذكر مؤسسة أمانة بغداد كمثال عن ماذكر من مقومات الإنتاج في المؤسسة وآلية تفعيلها وتقويمها، حيث تعتبر أحد أهم وأكبر المؤسسات الحكومية والمرتبطة بالمواطن واحتياجاته الخدمية وقد كثر الحديث عن أداء هذه المؤسسة المهمة والحيوية وسبل نجاحها وتفعيلها وأسباب الإخفاق المستمر وفقاً لرأي المواطن المستفيد من خدماتها. ولابد من مراجعة واقع هذه المؤسسة بدءاً من الطاقات البشرية وكفاءتها والأدوات المالية ونمط استثمارها والنظام المطلوب لتكوين الانسيابية الفاعلة لعمل المؤسسة وذلك بدءاً من تقييم مستوى القدرات البشرية العاملة في امانة بغداد سواءً قيادةً او كوادر، مما يتطلب تقييم وتقويم العمل. ولكلٍ رأيه في مواصفات الكادر الأنسب والفريق الأنجح لتفعيل المؤسسة. فعلى مستوى القيادة منهم من يرى انها تحتاج الى قيادة ذات جذور بغدادية اصيلة بذوقها وولائها وانتمائها، متعبقة بالثقافة والتاريخ والحضارة والتقاليد الاجتماعية البغدادية الأصيلة وليرسخ القيم الثقافية ويعيد المعالم المعمارية الأصيلة لينتج بيئة حضرية بالتناسق مع الواقع الاجتماعي المعاش ويعيد الألق والمجد الحضاري لها بعد الإهمال الكبير الحاصل للمدينة على مدى عقود.
ومنهم من يرى ان أمانة بغداد تحتاج الى قيادة علمية فنية ذات أعلى الاختصاصات في مجال التقنيات الحديثة لمعالجة الأزمات الخدمية الحاصلة ويرى انه السبيل الوحيد للخلاص من سوء الإدارة الفنية للجوانب الخدمية المختلفة التي تشكل التحدي الأكبر لأمانة بغداد وخدماتها. كما يرى آخرون أن لا أحد يستطيع إدارة امانة بغداد إلا احد كوادرها الذي تعرّف على تحدياتها وعاش أزماتها ولديه الخبرة العالية في معالجة كل تحد بحكم التجربة المتراكمة وهو الأعرف بتعقيدات العمل والحلول المجربة الناجحة لها.
في حين يرى آخرون أن إدارة أمانة بغداد تحتاج عبقريا معماريا كزهاء حديد بإبداعها التصميمي، ونظرتها الفلسفية لفن العمارة ونتاجاتها، وتطوير المدن ومتطلباته ونتائجه، كجزء من تكوين البنية الثقافية والحياتية للمجتمع، لكي تأتي وتبني بغداد بنفس القدرة والألق. وكثيرةٌ هي الرؤى والتصورات والتوقعات التي تنطلق بعضها من الممارسة والتجربة الحاصلة لدى صاحب الرؤية واهتماماته وأولوياته. ويمكننا القول ان جميع هذه الآراء هي صحيحة بنسبة او أخرى.
لا ننسى دور المواطن كونه جزءا من الطاقة البشرية التي تسهم وبشكل محوري في حُسن أداء أمانة بغداد. حيث كلما زاد شعور المواطن بالمواطنة وحرصه على الحفاظ على البيئة الحضرية لمدينته واهتمامه بها كما هو اهتمامه بممتلكاته الخاصة زاد التزامه بمراعاة القيم والضوابط المختلفة على مستوى الالتزام بالضوابط والتعليمات الصادرة من المؤسسة أو الحفاظ على قيم الجمال فيها منطلقاً من الذوق العام المتفق عليه اجتماعياً وخدمياً دون ترجيح المصلحة الشخصية على المصلحة العامة وايضا استيفاء الإلتزامات المادية وفقاً للضوابط والنظام المتبع.
كذلك الحال على المستوى المالي فإن لأمانة بغداد احتياجاتها ومتطلباتها وذلك لتأمين كلف أعمالها المختلفة. بمعزل عن سبل تأمينها سواءً من خلال التخصيصات المالية الحكومية اومن خلال الحكومة المحلية أو من خلال تفعيل نظام الجباية وغيرها، فإن تفعيل عمل الأمانة بمشاريعها الستراتيجية المطلوبة او أجور كوادرها يتطلب تأمين المتطلبات المالية ولاعمل ينجز دون توفيرها.
ايضا لمدى فاعلية الأنظمة المتعددة والمتشعبة المتبعة الدور الاساس لتفعيل
دور هذه المؤسسة. بدءاً من إدارة تنفيذ المخطط الإنمائي الشامل أو تعليمات وأنظمة البناء بمختلف أنواعه أو أنظمة الجباية او أولويات تنفيذ المشاريع الستراتيجية او النشاطات الخدمية اليومية وغيرها من الأنظمة المتبعة التي تشكل منهاج عمل هذه المؤسسة. فلابد من تفعيل دور هذه الأنظمة بالإلتزام بها من قبل المستفيدين ومتابعة حسن تنفيذها من قبل المؤسسة. كذلك لابد من الحيوية المستمرة في مراجعة كفاءة وفاعلية هذه الأنظمة بالمقارنة مع التجارب المماثلة.
فالجمود في تحديثها سيكون سبباً في عدم قدرتها على استيفاء الاحتياجات والمتطلبات التي تأسست تلك المؤسسة وفقاً لها.
كذلك إن اردنا ان ننهض بواقع المؤسسات الحكومية عامة يجب ان لا ننسى الدور الفاعل والمهم للإرادة الوطنية العامة للإصلاح والتنمية والتنازل عن المصالح الفردية أو الفئوية مقابل التركيز على المصلحة العامة الوطنية كأولوية قصوى، مع تفعيل دور المراقبة والمحاسبة وفق النظام والقيم.
من خلال ماتم ذكره نود التأكيد على المنهج الموضوعي عند تقييم المؤسسات المختلفة والعمل على تقويمها من خلال التركيز على كفاءة الكوادر وتوفير الأدوات والمتطلبات المالية المطلوبة وترصين الأنظمة التي تعمل بموجبها تلك المؤسسة ودون تفاعل هذه الأركان سوف لن تتمكن هذه المؤسسة من القيام بدورها المطلوب.