حمزة مصطفى
قبل خمسة عقود من الزمن كانت دبي عبارة عن صحراء وشمس. هذا مايقوله حاكمها محمد بن راشد آل مكتوم في كتابه "قصّتي". قبل عشرات القرون حين تمر في بابل تجد الجنائن المعلقة. وحين تمر في الجيزة بمصر تشخص أمامك الإهرامات ومعها أبو الهول. اليوم دبي قبلة للسياح. مصر بدرجة أقل من دبي. أما العراق فلايوجد شيء اسمه اثار إلّا في المخيلة وكتب الرحالة والتراث والثقافة. الأمر نفسه ينطبق على كل المواقع الأثرية والتراثية في البلاد من بابل الى ذي قار مرورا ببغداد ونهاية بالموصل وسامراء
وغيرها.
كيف بدأت الفكرة عند محمد بن راشد ال مكتوم. يروي الرجل في كتابه الحكاية التالية. في الثمانينيات كان يحضر اجتماعا لمجلس التعاون وكان الأصغر سنا بين الحاضرين، وبينما كان الوزراء منهمكين في حديث السياسة الممل طرح الفكرة التالية: لماذا لانحاول أن نطور المنطقة وبخاصة دبي كوجهة سياحية لجذب الناس من كافة أنحاء العالم؟، ساد الصمت لفترة قبل أن تخرقه ضحكة أحد وزراء الخارجية الأكبر سنا الذي قال لي ـ يقول محمد بن راشد ـ ماذا سيجد السياح في دبي؟، من سيأتي الى الصحراء؟، من سيأتي الى الحرارة والرطوبة التي
في دبي؟.
ويمضي بن راشد قائلا .. وسط ضحك الباقين واصل الوزير كلامه قائلا .. ماهو الإرث الثقافي الذي سيتعرف عليه السياح؟، ماهي المعالم التي يزورونها؟، الرمال من ورائهم والبحر أمامهم والشمس فوق رؤوسهم. ويستمر بن راشد في سرد الحكاية قائلا .. بعد تعليق صديقي وزير الخارجية بفترة كنت أقود سيارتي في شهر أغسطس الحار في دبي. رأيت عائلة أجنبية تمشي على الشاطئ في الظهيرة. عرضت عليهم الماء, ثم سألتهم هل تعملون في دبي؟، قالوا. نحن هنا للسياحة. جئنا من ألمانيا نبحث عن الشمس. تعززت لديَّ تلك القناعة وترسّخ إيماني بأننا نمتلك ثروة سياحية اسمها الشمس
والصحراء.
ومن الشمس والصحراء تحولت دبي في غضون عدة عقود من الزمن الى قبلة سياحية أو بلغة صديقنا نعيم عبعوب "زرق ورق". ربما في بعض جوانبها زرق ورق صحيح. لكن إذا كانت العبرة بالخواتيم فإنّ هذه الشمس والصحراء تحولت الى قيمة إنتاجية كبرى في كل شيء.
يكفي أن أشير الى معلم واحد وهو طيران الإمارات الذي يملك 260 طائرة وينقل 60 مليون مسافر سنويا. وكان مجموع واردات عام 2018 من هذه الشركة فقط 28 مليار دولار. يعني أكبر من ميزانية الأردن وسوريا ولبنان مجتمعة. شركة واحدة فقط. فماذا عن باقي الشركات, مليارات
تنطح مليارات.
نحن لدينا كل مايجعل وزير الخارجية الخليجي الذي سخر في ثمانينيات القرن الماضي من محمد بن راشد ال مكتوم يؤدي التحية لنا ذلك الوقت ويبكي على حالنا اليوم متسائلا بألم إن كان لايزال على قيد الحياة.. ماذا قدمتم للسياح الأجانب؟، لماذا لم تستثمروا ماحباكم الله به من طبيعة فيها كل مايسر الناظرين. وتراث جزء منه من عجائب الدنيا السبع؟. وقبل أن يلطم على رأسه يأتيه جوابنا القاطع. ننتظر عقد شركة .. سيركو ياطويل العمر.