سارة السهي
باتت الجرائم الالكترونية خطرا داهما يطول كل المجتمعات البشرية بالكوارث السياسية والاقتصادية والاجتماعية وايضا الثقافية والدينية، فالهكرز موجودون في كل مكان يخترقون الحواسيب والهواتف الذكية اما للسطو على معلومات الشركات وابتزازها او الافراد للتشهير بهم سواء كانوا افرادا عاديين او ذوي واجهة اجتماعية ايضا للابتزاز المالي، ناهيك عن سرقة الحسابات البنكية والخروقات لتجنيد الفتيات والشباب وحتى الاطفال في الاعمال الارهابية بعمليات غسيل الادمغة وتغيير المفاهيم الثقافية والاجتماعية والدينية.
لذلك سارعت الكثير من بلدان العالم لسن تشريعات قانونية لمكافحة الجرائم الالكترونية ومنها العديد من البلاد العربية، لكن العراق يقف امام هذه المعركة الكونية مكتوف الايدي وكأنه خارج حسابات الزمن ولم يصدر حتى الان تشريعا قانونيا للتصدي لهذه الجرائم التي باتت تقوض امن وسلامة المجتمع العراقي من الداخل، ويكتفي بمعالجتها عبر قانون العقوبات العراقي وقانون مكافحة الارهاب. وفي تقديري ان الحرب على الجرائم الالكترونية لا تقل أهمية ابدا عن خوض معارك تحرير العراق من الارهاب الداعشي وغيره، فالجرائم الالكترونية هي ارهاب ينشر سموم افاعيه داخل كل مكان في العالم وخاصة العراق الذي يحاول لملمة جرحه النازف من الارهاب والانقسامات السياسية والمذهبية والفساد بكل انواعه.
وتتجلى خطورة الجرائم الالكترونية في انها تنفذ داخل كل غرفة من غرف البنات والاولاد والصغار والكبار على حد سواء خلال اتصاله بجهازه الحاسوبي او عبر هاتفه الذكي وهو يتعرض بشكل يومي لكوارث هذه الجرائم وهو غير محصن ضد سمومها بينما يعجز المشرع العراقي منذ عام 2011 وحتى اليوم عن اصدار تشريع قانوني تكون له القدرة على التقليل من نسب هذه الجرائم الالكترونية داخل المجتمع أسوة بسنه وتفعيله بمصر والاردن و غيرها من البلدان المجاورة.
غياب تشريعي
وهنا يجري السؤال الجوهري لماذا هذا التباطؤ في اصدار مثل هذا التشريع؟ ولصالح من يقدم مشروع قانون جرائم المعلوماتية لمجلس النواب منذ عام 2011 ويظل قيد التشريع حتى يومنا هذا؟ فخلال هذه السنوات وقعت آلاف الجرائم التي انتهكت الخصوصيات ودمرت الاسر العراقية، ومجلس النواب والحكومة في سبات عميق ويكتفيان في عمليات مواجهة هذه الجرائم بقانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 الخاص بعقوبة جرائم التشهير، وهي عمليا ليست كافية في عقوبتها لردع الجرائم الالكترونية التي توسع نطاقها عبر استغلال مواقع التواصل الاجتماعي.
لذلك، فانني لا افهم لماذا هذا التباطؤ بسن هذا التشريع رغم اهمية خروجه الى النور امس قبل اليوم ،اللهم الا اذا كان هناك تواطؤ لكثير من الجهات التي اعتادت على استخدام الانترنت والشائعات في عملية التسقيط السياسي وحروب الأحزاب والشخصيات السياسية.
تدمير الأخلاق
ومن المنظور الاجتماعي نجد ان الجرائم الالكترونية تنخر في قواعد قيمنا الاجتماعية والاخلاقية كالسوس ما أدى الى تدني المستوى الأخلاقي العام، والغريب في الامر ان السيدات هن الأكثر مشاركة في الاعتداءات الالكترونية، وهو ما يثير الدهشة والاستنكار في مجتمع عربي شرقي مسلم كالعراق اذا ما تمت مقارنته مثلا بالسعودية التي لها اعتبارات دينية اخلاقية في المجتمع او الاردن البلد الوسطي الذي لا يحمل صبغة دينية سواء شيعية او سنية. وبتزايد الزيارات الدينية والمظاهر الدينية في العراق نجد تزايداً طردياً بالانحدار في مستوى استخدام الألفاظ، وكباحثة وإعلامية متابعة لما يجري على الساحات، فلم تترك هذه الآفات اي شخص ولم تستثن احدا واختلط الحابل بالنابل.
فقد تفاقمت انواع الاعتداءات بدبلجة الاخبار وتلفيق التهم وتركيب الصور والفيديوهات ومن تكرار الامر يصبح بالامكان تصديقه، كما يقال المثل ـ كذب ثم كذب ثم كذب حتى تصدق انت كذبتك.
الطامة الكبرى في مثل هذه النوعية من الجرائم انها تفتت تماسك الاسرة الواحدة داخل المجتمع وتعمل على تشظيها وتدميرها، خاصة ان معظمها يستهدف النساء ومن ثم يتسبب في انفصال بين الأزواج امام ساحات القضاء. أما الفتيات يتكتمن على أحوالهن حفاظا على سمعتهن من الضرر اذا قدمن شكاواهن من جرائم الابتزاز امام المحاكم.
فتورط البنات في العلاقات الالكترونية مع الشباب أفضى الى وقوع كوارث اخلاقية واجتماعية، حيث باتت صورهن الشخصية مهددة بالنشر، ما يضطر الكثير منهن الى تقديم تنازلات مادية ومعنوية خوفا من الفضائح والتشهير بالسمعة.
جهود أمنية ولكن
استفحال الجرائم الالكترونية وتهديدها لسلامة المجتمع، دفع اجهزة وزارة الداخلية العراقية لاطلاق حملة "بتنه - تهمنه" العام الفائت لنشر الوعي بين أوساط الشباب العراقي بمخاطر الدعاية والجرائم الإلكترونية، وخاصة عمليات التجنيد التي يقوم بها داعش لجذب
الشباب.
وهذه الحملة تمثل جهدا مشكورا لوزارة الداخلية العراقية لأنها تفاعلت في حملتها هذه مع شباب المدارس والمعاهد والكليات لنشر الوعي في صفوفهم بضرورة تأمين حساباتهم الإلكترونية، وكيفية طلب المساعدة في حالة حدوث أي مشاكل. وتضافرت الحملة مع اطلاق برنامج اذاعي للوزارة وعدد من الأفلام القصيرة لنشر الوعي من خطر التعرض للابتزاز خاصة بحق الفتيات الصغيرات ومحاولات استخدامهن في جرائم خطيرة مثل الإرهاب وتهريب المخدرات.
تبرز أهمية هذه الحملة التي تنفذها الداخلية العراقية، في انها قد كشفت عن أن الابتزاز الإلكتروني يستهدف بشكل أكبر الفئة العمرية من 15 إلى 26 سنة، معظمهم من غير المتعلمين أو ممن يعيشون في أسر محافظة للغاية، وهذا يعني ان انتشار الجهل في صفوف هذه الضحايا كان سببا في زيادة وقوع هذه
الجرائم.
ورغم ان الحكومة مسؤولة عن حماية وسلامة وأمن مجتمعها وقصرت حتى اليوم في اصدار تشريع قانوني لمجابهة هذه الجرائم، فان المجتمع نفسه بكل مؤسساته الأسرية والثقافية والتربوية والدينية والمدنية مقصر هو الاخر في القيام بمسؤولياته في تقليص هذه الجرائم ووقف نزيفها وسرطانها المنتشر في البلاد.